1:52 صباحًا / 25 أبريل، 2024
آخر الاخبار

طقوس التبادل في رمضان ، بقلم : سلوى زكزك

طقوس التبادل في رمضان ، بقلم : سلوى زكزك

طقوس التبادل في رمضان ، بقلم : سلوى زكزك

تروي سيدة حكايتها التي تبدو حزينة في مطلعها، حين نكتشف أنها تقيم مع زوجها في دولة عربية بحكم العمل، بينما يعيش ولداها في منزل العائلة بدمشق، وقد اضطرا إلى البقاء بعيدا عن والديهما لمتابعة تحصيلهما الجامعي. لكن وبعد التوغل في الحكاية، نعرف أن الولدين كانا ينعمان يوميا بوجبة إفطار شهية ومتنوعة، إذ يبادر غالبية الجيران إلى تقديم سكبة، وهي تقليد رمضاني خاص عبارة عن طبق أو أكثر من الطعام اللذيذ والطازج، تعاطفا مع الشابين، لأن والديهما بعيدان عنهما جدا.

تبدّل حجم السكبة ونوعها، نتيجة تراجع مستوى حياة السوريين وعدم المقدرة على تحضير وجبات غنية وشهية في شهر الصوم. بقيت العادة على حالها كتقليد أصيل، لكن تواترها ونوعيتها تراجعتا بصورة ملحوظة.

اعتادت إلهام على إرسال صحن فتوش أو تبولة أو سلطة خضراء إلى جارتها المتقدمة في العمر. وللأمانة، فإن جارتها لا تصوم وفق قرار حاسم من طبيبها بسبب الإصابة بالسكري، لكن إلهام مصرّة على إرسال السكبة يوميا، هي متأكدة من عجز الجارة الهرمة عن تنقية وفرم وغسل الخضراوات الطازجة، وهي تعرف أيضا مدى ملاءمة هذه الأطباق لجارتها ولمرضى السكري بشكل عام. إصرار إلهام على ممارسة هذا التقليد واختيارها لأطباق صحية يصعب على جارتها تحضيرها، هو تقليد يمنحها السعادة ويشعرها بلذة العطاء، وأي عطاء هذا الذي يراعي الشروط الصحية ويسعى للتقرب والاهتمام بالجيران وتقديم الرعاية لكبيرات السن.

يتسع تقليد السكبة وتتنوع أساليبه، وهو مشتق من فعل سكب، أي نقل الطعام من القدور والحلل إلى الأطباق، يتسع حسب المقدرة المالية للمانح أولا وحسب الطرف المستفيد من هذه السكبة، فيلجأ البعض إلى عملية توزيع أوسع قد تشمل أهل البناء الذي يسكن فيه مثلا، حتى لو تواجد فيه سكان غير مسلمين، كحال أبو رامي سائق سيارة نقل الخضار، والذي قام بشراء حمل من الخس الأخضر وقام بتوزيعه كله بواقع خسة لكل بيت، كسكبة عن شهر رمضان.

يتعدى تقليد السكبة معنى الدعم المادي المباشر من المقتدرين إلى الأضعف حالا، لأنه يتم خارج حدود المساعدة الخيرية، لذلك ينطبق عليه المعنى التبادلي بصورة أوسع. ومن الأدبيات المتداولة أن البيوت في بعض الأحياء أو الحارات التي مازالت تعيش تعارفا وتمازجا وتقاربا بينها، تملأ موائد بعضها البعض بالطعام المتنوع المسكوب من بيوت الجيران والأهالي، لدرجة أن مائدة الإفطار في كل البيوت تتحول إلى ما يشبه موائد الولائم الكبيرة، ويكاد الجميع أن يتشابه في وجبات فطوره، عدا عن التعرف المباشر على نكهة وجودة وتميز الطبخ في بيوت الحارة، كأن يتداول الجميع مثلاً أن كبب بيت أبو هشام هي أطيب الكبب، وأن فريكة بيت أم وسام هي أطيب فريكة تطهى في الحي وهكذا. إذن تتحول السكبة من أسلوب اجتماعي رمضاني تبادلي إلى شهادات خبرة في إعداد وجبات بعينها تمنح لأشخاص، وخاصة لنساء محددات، فيذهبن مثلا في الشطارة أو الخبرة، وربما في طريقة الإعداد والذوق في التقديم.

ساهم تردي الوضع الاقتصادي وأزمات نقص الغاز ووقود الطبخ، في تراجع تقليد السكبة عددا وحجما، لكنه مازال ركنا اجتماعيا بارزا ومهما من أركان شهر الصوم. واللافت أنه قد يتخلل هذا التقليد رفض ضمني وعلني له، أما الضمني فهو بسبب العجز المادي وضيق ذات اليد الذي يعجز عن تأمين وجبات كافية ومُرضية للعائلات. أما العلني فهو بسبب تكرار السكبات من نوع واحد من الطعام في يوم واحد مثلا، أو بسبب ضرورة القبول بالسكبة حتى لو كانت ليست على مزاج أهل البيت وغير مرغوبة من قبلهم كطريقة تحضير أو كنوع.

ما بين التقاليد والواقع المالي الصعب وتغير توزع العائلات أو تعدد العلاقات الاجتماعية وتوسعها، تبقى السكبة تقليدا محببا للجميع وخاصة في شهر رمضان.

شاهد أيضاً

لأول مرة .. مفاوضات روسية أوكرانية مباشرة بوساطة قطرية

شفا – أعلنت المفوضة الروسية لشؤون الطفل أن روسيا وأوكرانيا أجريتا لأول مرة مفاوضات مباشرة …