1:04 مساءً / 31 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

جدعون ليفي في مواجهة الصمت الثقافي الإسرائيلي ، شهادة فردٍ وفضيحة منظومة ، بقلم : د. وليد العريض

جدعون ليفي في مواجهة الصمت الثقافي الإسرائيلي ، شهادة فردٍ وفضيحة منظومة ، بقلم : د. وليد العريض


لا يكتب جدعون ليفي عن محمد بكري بوصفه فنانًا فلسطينيًا فحسب، بل بوصفه اختبارًا أخلاقيًا فشلت إسرائيل الثقافية في اجتيازه. إنّ نصّه التأبيني ليس رثاءً شخصيًا، بل لائحة اتهام موجّهة إلى منظومة كاملة:

ثقافية، إعلامية وقضائية، اختارت الصمت أو التواطؤ بدل الدفاع عن حرية الفن وكرامة الإنسان.

1) خطاب ليفي: شهادة الأقلية الأخلاقية

يقف ليفي في مقاله موقف الشاهد الوحيد تقريبًا من داخل المجتمع اليهودي–الإسرائيلي. لا يتخفّى خلف لغة “التوازن” ولا يساوم على المعنى. يكتب بوضوح:


بكري سُحق لأنه قال الحقيقة الفلسطينية كما هي. بهذا المعنى يتحوّل ليفي إلى ضمير فردي في مقابل جماعة اختارت السلامة الأخلاقية الزائفة.


خطابه لا يبرّئ الفلسطيني ولا يجرّم اليهودي كهوية؛ بل يُدين السلطة حين تتحالف مع الصمت ويضع الفن في مكانه الطبيعي:


مساحة مقاومة سلمية لا تُحاكم.

2) الصمت الثقافي:
حين يخون الفن نفسه


في المقابل، يكشف النص حجم الفراغ الأخلاقي داخل النخبة الثقافية الإسرائيلية. الفنانون الذين يفترض أنهم حرّاس الحرية صمتوا والمؤسسات الثقافية تراجعت والمهرجانات تخلّت. لم يكن الصمت حيادًا؛ كان موقفًا سياسيًا مريحًا.
هنا لا يعود السؤال:


لماذا هوجم بكري؟ بل: لماذا تُرك وحيدًا؟


الصمت الثقافي لم يكن خوفًا فقط، بل قبولًا ضمنيًا بتحويل الفن إلى أداة طيّعة في يد السلطة، تُكافأ حين تُزيّن السردية الرسمية وتُعاقَب حين تكشف الضحية.

3) القضاء كامتداد للرقابة
يُبرز ليفي – من دون تنظير – كيف تحوّل القضاء من حكمٍ إلى فاعل رقابي. لم يُناقَش فيلم جنين، جنين فنيًا أو توثيقيًا، بل أُدين بنوايا “غير مشروعة”. هذه لغة أمنية لا قضائية، تُجرّم القصد بدل الفعل، والمعنى بدل الكذب.
وهنا تتلاقى المنظومة:


قضاء يجرّم، ثقافة تصمت وإعلام يهمّش. النتيجة:


اغتيال معنوي طويل الأمد.

4) ليفي ضد الإجماع: كلفة الموقف


لا يكتب ليفي من موقع آمن. هو يدرك أنه خارج الإجماع وأن مقاله لن يصنع موجة تعاطف واسعة. لكنه يكتب لأن الكتابة – كما الفن – فعل أخلاقي قبل أن يكون مهنيًا.


في مقابل صمت النجوم، يقدّم ليفي نموذج “المثقف الشاهد”: لا يملك سلطة القرار، لكنه يملك سلطة التسمية. يسمّي الظلم ظلمًا والتواطؤ تواطؤًا ويمنح بكري ما حُرم منه رسميًا: الاعتراف.

5) المفارقة الكبرى: من بقي إنسانًا؟
المفارقة التي يصنعها النص قاسية:

الفنان الفلسطيني المُلاحَق لم يكره.


والمجتمع الذي يدّعي الديمقراطية اختنق بالصمت.


بهذا المعنى، لا يؤبّن ليفي محمد بكري فقط، بل يؤبّن صورة إسرائيل الثقافية عن نفسها. فالدولة التي لا تحتمل فيلمًا وثائقيًا ولا تقوى على الاعتذار لفنان بعد موته، هي دولة تخشى المرآة.

وختاما:


نصّ جدعون ليفي ليس استثناءً أدبيًا، بل استثناء أخلاقي. وهو بهذا يفضح أكثر مما يعزّي. فمحمد بكري باقٍ بفنّه، أمّا الصمت الثقافي الإسرائيلي فسيبقى وصمةً في سجلّ مرحلةٍ قرّرت أن تنجو بنفسها على حساب الحقيقة.

شاهد أيضاً

الجبهة العربية الفلسطينية

الجبهة العربية الفلسطينية: قرار الاحتلال تقييد عمل المنظمات الإنسانية جريمة سياسية بغطاء إداري واستكمال لحرب الإبادة

شفا – تدين الجبهة العربية الفلسطينية بأشد العبارات قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرض إجراءات جديدة …