12:53 صباحًا / 31 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

من التخطيط الجغرافي إلى النفوذ الفعلي في القرن الإفريقي ، بقلم : سالي ابو عياش

من التخطيط الجغرافي إلى النفوذ الفعلي في القرن الإفريقي

من التخطيط الجغرافي إلى النفوذ الفعلي في القرن الإفريقي ، بقلم : سالي ابو عياش


لماذا صوماليلاند الآن؟


في 26 ديسمبر 2025، أصبحت إسرائيل أول دولة تعترف أرض الصومال أو ما يسمى صوماليلاند، الجمهورية الانفصالية عن الصومال والمعلنة استقلالها عام 1991، دون أن تحظى باعتراف جامعة الدول العربية، أو الاتحاد الإفريقي، أو الأمم المتحدة. يقع هذا الإقليم على سواحل تمتد مقابل المدخل الجنوبي لخليج عدن، وعلى مقربة من مناطق الحوثيين في اليمن، بما فيها ميناء الحديدة، هذا الموقع الاستراتيجي يمنحه دوراً أساسياً كبوابة بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، مع التحكم في خطوط الملاحة الدولية المؤدية إلى قناة السويس، ويضع أي قوة تسيطر عليه في قلب القرن الإفريقي.


لكن السؤال الأهم يكمن في توقيت الاعتراف: بعد الحرب على غزة، وفي ظل التغيرات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية، يبدو أن إسرائيل تسعى لاستثمار لحظة ضعف الفلسطينيين والعرب لإعادة ترتيب خرائط النفوذ البحري والسياسي في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، واستغلال الفرص الجديدة التي يتيحها الانقسام داخل الصومال ذاته.
هنا يتحول المضيق وباب المندب من مجرد ممر دولي إلى أداة ضغط أمني وسياسي يمكن استثمارها في مراقبة حركة السفن وتأمين مصالح إسرائيل في المنطقة، بعيداً عن التدخلات المباشرة مع القوى الإقليمية التقليدية.


ولا يقل البعد السياسي للإقليم أهمية عن الجغرافيا. صوماليلاند، رغم انفصالها عن الصومال الفيدرالي، نجحت في بناء علاقات قوية مع الدول الغربية وحلفائها، في وقت تبدو فيه البدائل الإقليمية الأخرى محدودة الجدوى من منظور تل أبيب: فمثلاً إريتريا تتخذ توجهاً معادياً للغرب وتحافظ على علاقات وثيقة مع إيران، جيبوتي رغم موقعها الاستراتيجي تلتزم بسياسة حياد حذر، وإثيوبيا تفتقر إلى منفذ بحري.


هذه البيئة تمنح إسرائيل فرصة فريدة لاستثمار الإقليم كـورقة نفوذ مخفية، يمكن من خلالها الوصول إلى البحر الأحمر واليمن ومراقبة تحركات الحوثيين، وتحويل الاعتراف السياسي إلى حضور استخباراتي واستراتيجي حقيقي.
البعد الإقليمي والاستراتيجي:


الموقع الجغرافي لصوماليلاند يجعله أيضاً نقطة مواجهة استراتيجية محتملة بين إسرائيل والقوى الإقليمية التي تراقب البحر الأحمر ومضيق باب المندب عن كثب، مثل مصر والسعودية والإمارات.


فالبحر الأحمر ليس مجرد ممر ملاحي، بل شريان اقتصادي وأمني للمنطقة، وأي تمركز عسكري أو استخباراتي في المدخل الجنوبي له آثار مباشرة على توازنات القوة الإقليمية.


في هذا الإطار، يصبح الاعتراف الإسرائيلي جزءاً من خارطة تحرك أوسع تركز على السيطرة الفعلية على خطوط الملاحة الحيوية، وتأمين النفوذ في القرن الإفريقي، وتمهيد الأرضيات لمستقبل قد يشمل قواعد بحرية أو نقاط مراقبة متقدمة.
الاعتراف الإسرائيلي وصوماليلاند:


ويرى مراقبون أن الاعتراف الإسرائيلي بـأرض الصومال هو جزء من خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي لإقامة ما يُسمى بـ (إسرائيل الكبرى)، إذ أن إسرائيل لا ترى في الاعتراف مجرد رمزية، بل نافذة لتحقيق اختراق استراتيجي يسمح لها بالتمدد شمال الصومال، وإنشاء قواعد بحرية، وتأمين تحكم فعلي في مضيق باب المندب وممرات الملاحة الحيوية، بما يفتح أمامها أفقاً أوسع للتأثير على القرن الإفريقي والشرق الأوسط الجنوبي.


منذ اندلاع الحرب على غزة، تواترت التقارير عن محاولات إسرائيلية لتحقيق “اختراقات” سياسية في الشرق الأوسط، ومساعيها لضم دول عربية جديدة إلى الاتفاقيات الإبراهيمية وبدا أن هذه التحركات تشمل أيضاً كيانات سياسية انفصالية عربية وأفريقية تشترك هذه الكيانات جميعها في مسألتين:


*السعي للحصول على اعتراف دولي يؤسس لها وجوداً سياسياً مستقلاً.


*فتح قنوات اتصال مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل باعتبارها الطريق الأقصر نحو دعم الولايات المتحدة والمناطق الدولية المؤثرة.


الفوائد لصوماليلاند:


أما بالنسبة لـصوماليلاند نفسها، فإن الاعتراف الإسرائيلي يمثل مظلة حماية إقليمية قوية، انطلاقاً من موقع إسرائيل كقوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية، ويتيح لها أيضاً التقرب من الاعتراف الأمريكي مستقبلا، ما يمنحها وزناً سياسيا أكبر على الساحة الدولية.


هذا الاعتراف ليس مجرّد رمز سياسي، بل استثمار عملي في نفوذ طويل الأمد، يربط بين الجغرافيا والسياسة والأمن والاستخبارات، ويحوّل إقليما صغيرا إلى مركز نفوذ استراتيجي في القرن الإفريقي.


الاعتراف الإسرائيلي والبعد الفلسطيني:


علاوة على ذلك، يمكن النظر إلى الاعتراف الإسرائيلي ضمن أبعاد أوسع مرتبطة بالحرب على غزة وفلسطين.
إسرائيل، في هذا التوقيت بالذات، تستثمر أي فرصة لتعزيز نفوذها بعيدا عن مواجهة مباشرة مع القوى العربية التقليدية، وفي الوقت نفسه تستخدم الاعترافات الجديدة لتعزيز حضورها الجيوسياسي على سواحل الخليج العربي والبحر الأحمر، وتأمين خطوط الإمداد والملاحة التي تخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية.


بذلك يصبح الاعتراف بصوماليلاند مكسباً مزدوجاً: سياسي ودبلوماسي على الصعيد الدولي، واستراتيجي وعسكري على صعيد المنطقة.


الفرص الاقتصادية والاستخباراتية:


ولا يمكن تجاهل الفرص الاقتصادية والاستخباراتية المرتبطة بالإقليم، فصوماليلاند موقعه الجغرافي يمكن أن يوفر لإسرائيل بيانات استخباراتية عن حركة الحوثيين في اليمن، ويتيح مراقبة نشاطات الدول الإقليمية الأخرى في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، ما يوسع دائرة النفوذ بعيداً عن الأراضي الإسرائيلية نفسها.


ويعكس هذا النهج التحليلي قدرة إسرائيل على الاستثمار في كيانات سياسية غير معترف بها دوليا، وتحويلها إلى أدوات نفوذ في موازين القوة الإقليمية.

الخلاصة:


في المحصلة، يظهر الاعتراف الإسرائيلي بصوماليلاند كتحرك متعدد الأبعاد: جغرافي، سياسي، استخباراتي واستراتيجي، يربط بين البحر الأحمر، باب المندب، القرن الإفريقي، اليمن، وأزمة الفلسطينيين في غزة.


إنه مثال واضح على كيفية استثمار التغيرات الإقليمية العالمية والتحولات المحلية الصغيرة لتحويلها إلى نفوذ عملي طويل المدى، يعكس قدرة إسرائيل على استخدام الاعتراف الدبلوماسي كوسيلة لتحقيق أهداف استراتيجية أكبر بكثير من مجرد البعد الرمزي.


ففي خضم أزمة الفلسطينيين في غزة، يظهر الاعتراف بصوماليلاند كتحرك يوسع نفوذ إسرائيل بعيدا عن الأراضي المحتلة، بينما تستمر الضحايا الفلسطينيون في دفع ثمن الجمود العربي الدولي.

شاهد أيضاً

وزير خارجية الصين : يجب ألا يُترك شعب فلسطين دون إجابة عن مطالبه المشروعة بحقوقه الوطنية

شفا – قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي ، خلال كلمة له في الندوة حول …