2:52 مساءً / 25 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

الفكة مرآة لانهيار المنظومة الاقتصادية ، بقلم : آمنة الدبش

الفكة مرآة لانهيار المنظومة الاقتصادية ، بقلم : آمنة الدبش

لم تتوقف آثار حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة عند حدود الدمار الهائل والخسائر البشرية بل امتدت آثارها لتطال أدق تفاصيل الحياة اليومية ومن بينها النظام النقدي والتداول المالي فقد برزت أزمة الفكة (العملات المعدنية والأوراق النقدية الصغيرة) كإحدى المشكلات الخانقة فأصبحت اليوم عائقاً جديداً يثقل كاهل المواطنين والتجار على حد سواء وتعكس حجم الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه القطاع.

▪︎ أزمة تعكس كارثة


إن أخطر ما في أزمة الفكة أنها تطبع الظلم اليومي وتجعل التنازل أمراً طبيعياً وتدفع المواطن للتعايش مع فقدان أبسط حقوقه وعندما تصبح هذه التفاصيل جزءاً من الروتين فإننا أمام كارثة حقيقية تهدد النسيج الاجتماعي والإنساني.

فأزمة الفكة ليست مجرد مشكلة نقدية عابرة بل هي مرآة لانهيار منظومة اقتصادية وانسانية كاملة خلفتها الحرب ورسخها الحصار لتنعكس قسوتها في أدق التفاصيل اليومية.

▪︎ شلل البنوك


يشهد قطاع غزة شللاً شبه كامل في عمل البنوك ما أدى إلى توقف عملية ضخ السيولة النقدية في الأسواق ومع غياب الخدمات المصرفية لم يعد المواطنون قادرين على استبدال الأوراق النقدية الكبيرة بفئات أصغر الأمر الذي خلق فجوة خطيرة في التداول النقدي.

وقد أسفر هذا التوقف عن اختفاء الفكة من الأسواق ليجد التجار والمواطنون أنفسهم في مأزق يومي فالتاجر لا يملك الفكة لإعادة الباقي والمواطن لا يحمل سوى فئات نقدية كبيرة وبين الطرفين تتعطل عملية البيع والشراء وهكذا تحولت الفكة من وسيلة لتسهيل التبادل التجاري إلى عائق حقيقي أمامه.

وللتغلب على هذا الواقع لجأ البعض إلى حلول بديلة كاستبدال الفكة بسلعة إضافية أو تسجيل المبلغ كدين مؤجل وهي حلول مؤقتة لا تعالج جذور المشكلة بقدر ما تعكس حجم الأزمة وتعقيداتها المتفاقمة.

▪︎ إدارة السيولة


تعكس أزمة الفكة خللاً واضحاً في السياسات النقدية وإدارة السيولة ومع غياب الحلول الجذرية يبقى المواطن هو المتضرر الأول يدفع ثمن أزمة لم يكن شريكاً في صنعها ويواجه يومياً تحديات إضافية في تأمين أبسط متطلبات حياته ، ولم يقتصر أثر توقف البنوك على شح النقد فحسب بل امتد ليشمل الرواتب والتحويلات والمساعدات ما فاقم حدة الضائقة الاقتصادية ورفع معدلات الفقر وفي ظل غياب جهة تنظيمية قادرة على إدارة السيولة تفاقمت أزمة الفكة لتتحول إلى رمز لانهيار النظام المالي تحت وطأة الحرب.

▪︎ العدالة الاقتصادية


أسهم ضعف إدارة السيولة في تعميق غياب العدالة الاقتصادية إذ تحمل الفقراء العبء الأكبر باعتبارهم الفئة الأكثر احتياجاً للفئات النقدية الصغيرة والأقل قدرة على التكيف مع غيابها ومع ضعف الرقابة والتنظيم برزت ممارسات سلبية تمثلت في استغلال حاجة المواطن وفرض فروق سعرية غير عادلة بذريعة نقص الفكة.

▪︎ حلول غائبة وممكنة


في ظل استمرار الأزمة يطالب مواطنون وخبراء اقتصاديون بضرورة تدخل الجهات المختصة لضخ كميات كافية من الفكة في الأسواق وتسهيل إجراءات استبدال العملات للتجار إلى جانب تحسين إدارة السيولة بما يضمن توازناً في فئات النقد المتداولة.

كما يرى البعض أن تشجيع وسائل الدفع الإلكتروني قد يخفف جزئياً من حدة الأزمة شريطة توفير بنية تحتية مناسبة وضمان وصول هذه الخدمات لجميع فئات المجتمع دون أن تتحول إلى عبء إضافي على المواطنين.

إن أزمة الفكة في غزة ليست إلا صورة مصغرة لانهيار منظومة اقتصادية بأكملها حيث تغيب المؤسسات وتختنق السيولة وتترك الأسواق لإدارة ذاتية هشة، ورغم محاولات التكيف والصمود يبقى حل هذه الأزمة مرهوناً بإعادة تشغيل البنوك وتنظيم التداول النقدي لأن استعادة الفكة تعني في جوهرها استعادة جزء من الاستقرار الاقتصادي وكرامة الإنسان في تفاصيل حياته اليومية.

  • – آمنة الدبش – صحفية من قطاع غزة

شاهد أيضاً

في يوم الميلاد المجيد: الرئيس محمود عباس يشكر البابا على مواقفه ويطلب منه الصلاة من أجل إنهاء معاناة شعبنا

شفا – نيابة عن السيد الرئيس محمود عباس، حضر سفير دولة فلسطين لدى حاضرة الفاتيكان …