
الهيئات المحلية في محافظة سلفيت: دور تنموي في سياق وطني معقّد ، بقلم : د. عمر السلخي
تعمل الهيئات المحلية في محافظة سلفيت ضمن ظروف استثنائية تفرضها سياسات الاحتلال الإسرائيلي، واتساع رقعة المناطق المصنفة (ج)، وتقييد التخطيط العمراني، وشح الموارد المالية. وفي هذا السياق، لم يعد دور الهيئات المحلية مقتصرًا على تقديم الخدمات الأساسية، بل بات جزءًا من منظومة وطنية أشمل تهدف إلى تعزيز صمود المواطنين وحماية الأرض الفلسطينية، والحفاظ على مقومات الوجود الوطني في واحدة من أكثر المحافظات استهدافًا للاستيطان ومشاريعه التوسعيه الاحلالية.
الحكم المحلي في بيئة عالية القيود
تواجه البلديات والمجالس القروية في محافظة سلفيت تحديات مركّبة ناتجة عن السيطرة الإسرائيلية على معظم الأراضي، وعرقلة مشاريع البنية التحتية، وقيود البناء والتوسع العمراني، هذا الواقع يفرض على الهيئات المحلية مقاربة مختلفة للحكم المحلي، تقوم على التخطيط الاستراتيجي، وحسن إدارة الموارد، وتوظيف الإمكانات المحدودة بأقصى قدر من الكفاءة، بما يضمن استمرارية الخدمات ويحافظ على الاستقرار المجتمعي.
التنمية المحلية كأداة لتعزيز الصمود
تمثل مشاريع البنية التحتية، وإدارة المياه، ودعم القطاع الزراعي، أولويات تنموية ملحّة في محافظة سلفيت، فالاستثمار في الطرق الزراعية، وآبار الجمع، وتحسين شبكات المياه، لا ينعكس فقط على تحسين مستوى الخدمات، بل يسهم بشكل مباشر في تثبيت المواطنين في أراضيهم، وتعزيز الأمن الغذائي، والحد من مظاهر التهجير والهجرة القسرية، في ظل واقع سياسي ضاغط.
دعم القطاعات الإنتاجية وتمكين الشباب
تُعد معدلات البطالة، خاصة بين فئة الشباب، من أبرز التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المحافظة. ومن هنا، تبرز أهمية تبني سياسات محلية داعمة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبرامج التشغيل المؤقت، ومبادرات ريادة الأعمال، بما يسهم في خلق فرص عمل محلية، وتنشيط الدورة الاقتصادية، وتعزيز ثقة الشباب بإمكانية بناء مستقبلهم داخل مجتمعاتهم المحلية.
البعد البيئي وإدارة الموارد
تحظى قضايا البيئة وإدارة النفايات الصلبة بأهمية متزايدة، في ظل التوسع العمراني غير المخطط له، والاعتداءات البيئية الناتجة عن ممارسات الاحتلال والاستيطان ، ويشكّل تطوير أنظمة فعّالة لإدارة النفايات، وتعزيز الوعي البيئي، جزءًا أساسيًا من حماية الصحة العامة وضمان استدامة الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
قيادة البلديات والكفاءة الوطنية في زمن استثنائي
في ظل هذا الواقع السياسي والاقتصادي المعقّد، تبرز أهمية أن تتولى قيادة البلديات والمجالس القروية نخب وطنية تمتلك الكفاءة المهنية، والقدرة على البناء والتخطيط والتطوير، ورؤية واضحة لإدارة الأزمات وتحويل التحديات إلى فرص. فالحكم المحلي في هذه المرحلة لا يحتمل الارتجال أو الحسابات الضيقة، بل يتطلب قيادات قادرة على قراءة المشهد العام، وتوظيف الأدوات القانونية والتخطيطية المتاحة، وبناء شراكات فاعلة مع المؤسسات الرسمية والأهلية والجهات الداعمة. وفي هذا السياق، تشكّل البلديات خط الدفاع الأول عن المشروع الوطني الفلسطيني، باعتبارها الجهة الأقرب إلى المواطن، والأكثر تماسًا مع الأرض، والقادرة على تحويل العمل البلدي من إدارة يومية للخدمات إلى رافعة صمود وحماية للوجود الفلسطيني.
الحوكمة المحلية وتعزيز الثقة المجتمعية
إن تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة والمشاركة المجتمعية في عمل الهيئات المحلية يشكّل عنصرًا حاسمًا في بناء الثقة بين المواطن والمؤسسة المحلية، فالإدارة الرشيدة، والعدالة في توزيع المشاريع، وتكافؤ الفرص بين مختلف التجمعات السكانية، عوامل أساسية للحفاظ على التماسك الاجتماعي، ومنع الانقسامات الداخلية، وتعزيز الاستقرار في ظل ظروف سياسية حساسة.
إن دور الهيئات المحلية في محافظة سلفيت يتجاوز الإطار الخدمي التقليدي، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من جهد وطني منظم يهدف إلى حماية الأرض، وتعزيز صمود المواطنين، وتحقيق تنمية محلية متوازنة ضمن واقع سياسي استثنائي، ويتطلب ذلك قيادة كفؤة، وتخطيطًا مهنيًا، وإدارة رشيدة، وشراكة حقيقية مع المجتمع المحلي والمؤسسات ذات العلاقة، بما يضمن استمرارية العمل التنموي ويعزز قدرة المحافظة على الصمود في مواجهة التحديات القائمة.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .