2:46 مساءً / 25 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

إكمال النظام الوطني الجديد الطراز: المسار الصيني في سباق التكنولوجيا العالمي ، بقلم : تيان جيانينغ

إكمال النظام الوطني الجديد الطراز: المسار الصيني في سباق التكنولوجيا العالمي ، بقلم : تيان جيانينغ


في السنوات الأخيرة، واجهت الصين سلسلة من صدمات “الاختناق التكنولوجي” المركّزة. فقد واصلت الولايات المتحدة تشديد قيودها على تصدير التكنولوجيا العالية إلى الصين، بدءا من وحدات معالجة الرسوميات (GPU) وبرمجيات التصميم الإلكتروني (EDA)، وصولا إلى معدات التصنيع الدقيقة والمواد الأساسية، مما أدى إلى تقييد إمدادات العديد من حلقات التكنولوجيا الحيوية. وقد كشفت الاختناقات في الرقائق المتقدمة والحوسبة عالية الأداء والبرمجيات الصناعية عن ضرورة إعادة تقييم أمن الصين التكنولوجي وقدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي، والبحث عن مسار أكثر استقرارا في أجواء المنافسة التكنولوجية العالمية المتسارعة. وفي ظل هذه التحديات الواقعية، بدأت الصين في تعزيز أساليب تنظيم الابتكار بصورة أكثر منهجية، لتبرز بذلك أهمية “النظام الوطني الجديد الطراز”.


وقد قدّمت الصين تعريفا واضحا لهذا النظام. فقد اقترح تقرير المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني “إكمال النظام الوطني الجديد الطراز”، وشدد الرئيس الصيني شي جين بينغ على ضرورة ” التركيز على تلبية الاحتياجات الاستراتيجية الوطنية، وحشد القوى لإنجاز الاختراقات الأصلية والقيادية في العلوم والتكنولوجيا، وكسب معركة التقنيات الأساسية والحيوية”. ويعكس ذلك رغبة الصين في تعزيز قدراتها التنظيمية وكفاءتها التنسيقية في مجالات التكنولوجيا ذات التقنيات العالية.

لماذا تحتاج الصين إلى نظام وطني “جديد الطراز”؟ يكمن الجواب في تغير طبيعة التحديات التكنولوجية الحالية. ففي الماضي، كانت مهام العلوم والتكنولوجيا الرئيسية مُركزة نسبيا وواضحة الأهداف. ومع ذلك، أصبحت التقنيات الأساسية الرئيسية اليوم راسخة في السلسلة الصناعية العالمية، وتتضمن أنظمة تكنولوجية ضخمة، ودورات بحث وتطوير طويلة، وتكاليف ومخاطر مرتفعة للغاية. غالبا ما تجد الشركات صعوبة في القيام بهذه المهام بالاعتماد على قوى السوق وحدها؛ فالمبادرات الحكومية وحدها معرضة للانفصال عن الاحتياجات الحقيقية. أما في مواجهة الاختناقات النظامية في أشباه الموصلات، والبرمجيات الصناعية، والمواد المتقدمة، ومحركات الطائرات، يتطلب اختراق العُقد الرئيسية علاقة تعاونية جديدة بين القوى العلمية والتكنولوجية الاستراتيجية الوطنية، وقدرات الابتكار المؤسسية، ونظام البحث.


لا يكمن جوهر هذا النهج “الجديد” في قيام الدولة بكل شيء، بل في تقسيم علمي أكثر للعمل. فالدولة تتولى مهام استراتيجية وجوهرية وتوجيهية، مسؤولة عن المنصات الرئيسية، والروابط الرئيسية، والاستثمارات طويلة الأجل؛ بينما تتحمل الشركات، مستفيدة من قربها من السوق، مهام تكرار التكنولوجيا والتصنيع، وهي المصدر الأكثر ديناميكية للابتكار؛ أما الجامعات والمؤسسات البحثية فتوفر الابتكار الأصلي والقدرة على معالجة التقنيات الجوهرية. ويسهم التنسيق الديناميكي بين هذه الأطراف الثلاثة في تكوين المنطق الأساسي لهذا النظام.


تُجسّد العديد من الإنجازات العلمية والتكنولوجية الحديثة هذه القدرة التعاونية: فقد حققت طائرة الركاب الكبيرة C919 اختراقات تكنولوجية رئيسية من خلال جهود تعاونية لمئات مؤسسات البحث وآلاف الشركات؛ وحقق مفاعل توكاماك فائق التوصيل التجريبي المتقدم EAST أرقاما قياسية باستمرار من خلال التعاون طويل الأمد بين الفرق؛ وتكمن وراء المهام المعقدة، مثل رحلات الفضاء المأهولة، ونظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية “بايدو”، وهندسة أعماق البحار، قدرات تنظيمية متطورة للأنظمة المشتركة بين الإدارات. كذلك تُعد الإنجازات التي تقودها الشركات أمرا شائعا، مثل الإنجاز المستقل في ركائز زجاج OLED من الجيل 8.6، والذي كسر الاحتكار الأجنبي. وتظهر هذه الحقائق أنه في أنظمة الابتكار المعقدة، يُعد “التنسيق” بحد ذاته شرطا أساسيا لتحقيق الإنجازات التكنولوجية.


لم تتراجع قوة السوق في هذا النظام، بل تعززت. في عام 2024، تحملت الشركات أكثر من 70% من إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير في الصين، لتصبح المصدر الرئيسي للبراءات والإنجازات التقنية وتحديث المنتجات. وفي مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية المتقدمة والتصنيع الرقمي، أطلقت المنافسة بين الشركات وتيرة متسارعة للتطور التكنولوجي، بينما تركز الدولة على بناء البنية التحتية ووضع المعايير ودعم مفاصل التكنولوجيا الحرجة، بما يجسد آلية “الاستراتيجية الوطنية + المنافسة السوقية” كمحرك مزدوج.


وفي الوقت نفسه، ساهمت الإصلاحات المؤسسية في تحرير المزيد من طاقات الابتكار. فقد خفف “برنامج تخفيف الأعباء الإدارية عن البحث العلمي” من الأعباء الإدارية على الباحثين؛ وساعدت آلية “تقديم قائمة التحديات ومن يتفوق يتولى المهمة” على جعل مشروعات البحث أكثر التصاقا بالاحتياجات الصناعية؛ فيما أتاحت إصلاحات المؤسسات البحثية فرصا أوسع للمواهب الشابة والفرق الصاعدة. وقد عززت هذه التحولات من استقلالية منظومة الابتكار وحيويتها.


وتستدعي المرحلة المقبلة مواصلة تحسين هذا النظام. فتعميق الربط بين سلسلة الابتكار وسلسلة الصناعة، وضمان التمويل المستدام للبحث الأساسي، وتعزيز الحوكمة الرقمية للبحث العلمي، وتحقيق توازن مستقر بين الاستقلالية والانفتاح—جميعها اتجاهات ضرورية لرفع مستوى كفاءة الحوكمة العلمية. وبالمقارنة مع النماذج التقليدية، يركز “النظام الوطني الجديد الطراز” بدرجة أكبر على كفاءة التنسيق والتنظيم المنهجي وبناء القدرات طويلة الأجل، وهو نظام مبتكر نشأ في سياق ظروف دولية معقدة.


وما زالت آثاره في طور التحقق العملي، إلا أنه من الواضح أن الصين تعمل عبر هذا النظام على استكشاف سبل معالجة التحديات العلمية ذات المخاطر العالية وعدم اليقين الكبير، وبناء قدرة تنظيمية أكثر مرونة واستقرارا لمواجهة التحولات العميقة في المنافسة التكنولوجية العالمية.

شاهد أيضاً

حفار واحد ، وآلاف الشهداء ينتظرون ، بقلم : بديعة النعيمي

حفار واحد ، وآلاف الشهداء ينتظرون ، بقلم : بديعة النعيمي بينما ينشغل المحللون حول …