
الشيطان يرتدي قناع التفاصيل ، بقلم : إيمان مرشد حماد
من أصدق العبارات التي تصف دقائق حياتنا المعاصرة هي المقولة الإنجليزية الشهيرة ،” The devil is in the details” بمعنى ” الشيطان يكمن في التفاصيل” ، وهذا في جوهره تعبير اصطلاحي يبين أن بعض الأمور التي تبدو بسيطة في ظاهرها قد تخفي في طياتها تعقيدات أو مشكلات غير متوقعة على الإطلاق ، وهذا تعبير عن الجانب المُربك الذي يكمُن في التفاصيل الدقيقة. ولا نجانب الصواب إذا قلنا اننا قد اثقلنا على أنفسنا بكثرة التفاصيل التي تقتات على وقتنا وجهدنا ومالنا.
كنت أسيرُ في أحد الشوارع فتفاجاتُ بإعلان ورقي تمَّ إلصاقهُ على أحد الأعمدة مفاده انهم يصورون صوراً فنية متميزة ل (النيوبورن ) . تلكأتُ قليلاً وكأن دماغي يعالجُ المعلومة التي يراها ويفهم فحواها ، عندها أدركتُ أن الكلمة هي (Newborb).
هذه الفكرة مكنتي من أن أرى حبل المظاهر المشبعة بالتفاصيل وهو يلتفُ على أعناقنا وتحولها إلى سباق محموم مع الزمن لإنجاز تلك التفاصيل. لقد أصبحت طقوس الزواج وخطواته تضجُّ بالتفاصيل ويتلو ذلك الحمل والصور التي تاخذها الأم وهي تمسك بطنها أو تحضر مع زوجها لحفل كشف جنس للمولود ، يتلو ذلك التحضير لولادة الطفل بكل ما يتطلبه ذلك من ملابس وزينة على باب غرفة الولادة وبالونات وشوكولاته. و هذا غيض من فيض التفاصيل في كافة المناسبات. فما هي أسباب هذا التورم في التفاصيل ؟
أولا: تسارع التكنولوجيا.
صحيح أن التكنولوجيا جعلتْ كل شيء متاحاً، لكنها أيضا فتحتْ أبواباً لا تنتهي من المهام: إشعارات، رسائل، إيميلات ، مهام ألكترونية وهذا يضيف تعقيدات إضافية لحياتنا.
العولمة وتعدد الخيارات
كثُرتْ الخيارات في كل شيء من الطعام إلى الوظائف إلى العلاقات الاجتماعية . فالتفاصيل لم تَعد وسيلة الفهم بل أصبحت عبئاً ومجالا مزعجا للمقارنات.
ثقافة الإنتاجية الزائفة.
أصبحَت قيمة الإنسان اليوم يُقاس بعدد المهام التي ينجزها . أصبحت التفاصيل تسرق منا أهم لحظات حياتنا لأنها أصبحتْ الوسيلة الوحيدة لإثبات الكفاءة مما سرق منا لحظات التأمل والفراغ اللازم للنمو الداخلي.
فقدان البساطة كقيمة
كان الناس قديماً يحترمون البساطة ويعتبرونها دليلاً على الثقة بالنفس وليس دليلا على الفقر وانعدام الإمكانات كما هو الآن .
الحاجة إلى السيطرة
يتوهم المولعون بالتفاصيل انهم يسيطرون على الأشياء ولكنهم في الواقع يقعون في شَرك التوتر الناتج عن كثرة المهام ، وكلما حاولنا السيطرة على كل شيء زادت الفوضى الداخلية.
وفي النهاية نحن محتاجون إلى التخلص من التفاصيل، وترتيب أولوياتنا حتى لا تُصبح غولاً يلتهم ارواحنا ، ويسرق منا لحظات الصفاء والسلام الداخلي .
الاديبة إيمان مرشد حماد
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .