
جروان المعاني… قبس من نورٍ في ذاكرة الوطن الثقافية ، بقلم : الأستاذ رائد عسّاف
في مشهدٍ يفيضُ هيبةً واعتزازاً، وبحضورٍ نوعيٍّ ونخبويٍّ يليقُ بالمقام والمكان، شارك منتدى الفريق الإبداعي للثقافة والفنون في الحفل التكريمي الذي أقامه منتدى البيت العربي الثقافي بالتعاون مع منتدى العشيات للآداب والفنون لتكريم قامةٍ وطنيةٍ سامقةٍ في فضاء الفكر والإبداع، هو الأستاذ جروان المعاني؛ ذاك الرجل الذي يشبهُ الجبلَ في ثباته، والنبعَ في عطائه، والنورَ في رسالته، مؤمناً بأن الثقافة ليست ترفاً، بل هي طريقُ الإنسان إلى الرقيّ، وجسرُ الأوطان نحو الازدهار.
جروان المعاني ليس مجرد مثقفٍ عابرٍ في المشهد، بل هو حالةٌ متفرّدة من الحضور المضيء، ونموذجٌ للقيادة الثقافية التي تجمع بين الفكر والرؤية، بين التواضع والصلابة، بين صدق الانتماء ووهج العطاء. لقد تحدّث فأوجز، وبكى فأبكى القلوب من حوله، إذ تمتزج في صوته الحكمة بالوجع، والحنينُ بالعزيمة، وكأنّه يختصرُ وجدان المثقف الأردني والعربي في آنٍ واحد.
على امتداد خمسةَ عشرَ عاماً من العلاقة والمعايشة، كنتُ أرقبُ جروان المعاني عن قرب، وأشهدُ بأمّ العين جهوده الدؤوبة في دعم الفعاليات الأدبية والفنية، ومساعيه المخلصة في تسليط الضوء على المبدعين، واحتضان التجارب الواعدة، وصون العمل الإبداعي من الغياب أو التشتّت. لم يكن حضوره دعماً مادياً أو تنظيمياً فحسب، بل كان وما زال صوتَ الضمير الثقافي، وعينَ الرؤية الواعية، وذاكرةَ الوطن التي تحفظ الجمال من الضياع.
لقد آمن جروان المعاني أنّ الثقافة ليست تكديساً للمفردات ولا استعراضاً للمواهب، بل مسؤولية ورسالة، وأنّ المثقف الحقّ هو الذي يحمل همّ وطنه على كتفيه، يزرع الأمل في عيون الشباب، ويرفع راية الكلمة الحرة في وجه العتمة. كان ولا يزال داعماً لكل مبادرة تُنير طريق الإبداع، وراعياً لكل قلمٍ جديدٍ يبحث عن موطئِ فكرة، ومشاركاً في كل منبرٍ يعلو فيه صوتُ الفنّ والأدب.
وما بين أمسٍ قريبٍ ويومٍ حاضر، استطاع أبو سلطان أن يترك بصمةً لا تُمحى في الذاكرة الثقافية الأردنية والعربية؛ بصمةً من ضوءٍ وشغفٍ وإيمانٍ بأنّ الثقافة قادرةٌ على أن تبني الإنسان قبل أن تُشيّد المكان.
شكراً لجروان المعاني، على هذا الحضور المضيء الذي يشبه الفجر، وعلى ما يزرعه من أثرٍ جميلٍ في قلب كلّ من عرفه أو جاوره أو تشارك معه فكرةً أو حلماً.
وإنّنا، إذ نُكرّمه اليوم، فإنّنا لا نمنحه درعاً رمزيّاً فحسب، بل نقدّم له قلوبنا الممتنّة لما قدّمه من عطاءٍ نقيّ، وإيمانٍ عميقٍ بأنّ الثقافة هي الوطن حين يكتب ذاته بالكلمة، ويستعيد مجده بالعقل والضمير.
فإليكَ يا جروان المعاني، قبساً من امتناننا، ووردةً من ذاكرة الوطن الثقافية، التي ستبقى تذكُرك كأحد أنبل من حملوا مشعل النور، ومضوا به بشرفٍ وثبات.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .