12:24 صباحًا / 4 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

“ترامب وأدعاءات حماية المسيحيين” ، بقلم : مروان إميل طوباسي

“ترامب وأدعاءات حماية المسيحيين” ، بقلم : مروان إميل طوباسي

من ذريعة حماية المسيحيين إلى تفكيك الأوطان ، الدين والسياسة كأداة للهيمنة ..
الوصاية بإسم الدين ، وجه جديد للخطاب الإستعماري القديم .

بين الشعارات السياسية والدين ، يبقى ترامب مثالاً واضحاً على استغلال “الإيمان” لتبرير الهيمنة والسيطرة، وليس لحماية المؤمنين وكانه المفوض بأسم الله .


فمن جديد ، يعود دونالد ترامب وهو يرفع شعارات “حماية المسيحيين في العالم”، وكأن الدين أداة في صندوق شعاراته . فيقدم نفسه بوصفه “منقذ المسيحية”، مستغلًا خوف اليمين الإنجيلي الأميركي من تراجع قِيَمه في الداخل ، ومحولًا قضية الإيمان إلى ورقة تعبئة سياسية تُبرر التدخلات والعدوان ونشر الحروب بحجة السلام .


منذ سنوات ، لم يتردد ترامب في الحديث عن “اضطهاد المسيحيين” في الشرق الأوسط وأفريقيا وحتى في أمريكا اللاتينية، وكأن هذه المجتمعات تعيش حربا دينية شاملة ، لكن الوقائع تفضح ازدواجية الخطاب ، فالرجل الذي يَدعي اليوم حماية المسيحيين ، هو نفسه الذي أغلق أبواب الولايات المتحدة أمام اللاجئين ، وأشعل الحروب والعقوبات في سوريا والعراق وإيران واليمن وبحق روسيا أيضا ، وبارك وشارك العدوان على غزة ، ودعم بلا حدود سياسات التهجير والتطهير العرقي والأستيطان وضم القدس بالضفة الغربية ، التي تمارسها إسرائيل بحق شعبنا الفلسطيني ، بمن فيهم المسيحيون من أبناء هذا الشعب الواحد .


بل إن ترامب ذهب أبعد من ذلك حين يلوّح اليوم برغبته في إعلان الحرب على نيجيريا بذريعة “الدفاع عن المسيحيين المضطهدين هناك”، متجاهلاً أن مثل هذا التدخل العسكري لا علاقة له بالدين بل بالمصالح النفطية ومصادر المعادن والهيمنة على أفريقيا . والمفارقة أن هذا الخطاب نفسه يتكرر اليوم في إستغلال احداث السودان ومنها بالفاشر ، حيث تُستغل الفوضى الإنسانية لتبرير التدخلات الأجنبية تحت شعارات “حماية المدنيين” أو “منع التطرف”، فيما الهدف الحقيقي هو السيطرة على الموارد والموقع الجغرافي ومياه البحر الأحمر لخدمة المصالح الأمريكية الأسرائيلية كما بشرق المتوسط .


فهل يشمل هذا “الحرص” المزعوم مسيحيي فلسطين الذين يتعرضون ، مع إخوتهم المسلمين ، للحصار والقتل والاقتلاع من أرضهم ؟ هل دافع ترامب عن كنيسة المهد أو كنيسة القيامة حين دنسها الأحتلال كما والأقصى والابراهيمي ايضا ، أو مَنع المؤمنين من الوصول إليها ؟ وهل رفع صوته يوما ضد الاعتداءات على رجال الدين المسيحيين في القدس أو بيت لحم أو غزة او من اعتداءات المستوطنين ؟


وأين كان “حامي المسيحية” من مسيحيي العراق وسوريا الذين دُمرت مدنهم وهُجروا من بيوتهم تحت قنابل التحالف الأميركي وصواريخه ؟ ألم تكن تلك السياسات نفسها هي التي فتتت مجتمعات المشرق ودفعت مئات الآلاف من أبنائه إلى الهجرة وخاصة المسيحيين منهم في وقت انشأت الإدارات الأمريكية تنظيم الدولة الإسلامية وداعش والنصرة ؟
الحقيقة أن خطاب ترامب لا يرى في مسيحيي الشرق سوى أداة رمزية لتبرير مشروعه العنصري العقائدي ، ولا يعترف بهم كمكون أصيل في أوطانهم ومجتمعاتهم ، بل كذريعة إضافية لتبرير الحروب والتدخلات وبسط الهيمنة مع دور اسرائيلي بارز ومتقدم فيها . فهو لا يدافع عنهم بقدر ما يستغلهم في سردية “العالم المسيحي الأبيض” الذي يريد فرض وصايته على الآخرين وفق الرؤية الترامبية وتعاونها مع اليمين الأوروبي المتطرف الانجلوساكسوني .


في الواقع ، لم يكن ترامب يوما حامياً للمسيحية ، بل مستغلاً لها . فصوره وهو يحمل الإنجيل أمام الكنيسة بعد قمع المتظاهرين في واشنطن عام ٢٠٢٠ ، لم تكن تعبيرا عن إيمان روحي ، بل عن استعراض سياسي عقائدي يخاطب جمهوره الانتخابي اليميني المحافظ ومنتسبي الفكر المسبحي الصهيوني . وهو حين يتحدث عن مسيحيي الشرق شكل عام وفي نيجيريا اليوم بشكل خاص ، فإنما يخاطب الداخل الأميركي ، ليقدم نفسه حارسا لما يسميه “العالم المسيحي الغربي” في مواجهة “الآخر المختلف”، سواء كان عربيا أو أفريقيا أو مسلما او حتى مسيحيا مشرقيا أرثوذكسياً في أوروبا الشرقية ، في خطاب يحمل في طياته عنصرية حضارية مغلفة بلغة الدين .


فليس هذا الخطاب مجرد جزء من مشهد دعائي عابر كما قد يظن البعض ، بل هو تعبير عن عقيدة متجذرة في رؤية اليمين الأميركي والأوروبي الذي يرى في نفسه حاملًا لرسالة “تفوق حضاري” باسم المسيحية الغربية المزعومة . فترامب ، في دورته الثانية هذه ، لا يخوض معركة انتخابية اليوم ، بل يمارس قناعته الراسخة بأن العالم يجب أن يُدار وفق قيمه ومصالحه ، وأن القوة الأميركية “أمريكا أولاً” هي الامتداد الزمني لتلك الرسالة الدينية المزعومة . إنها رؤية تعتبر الآخر ، سواء كان عربيا أو أفريقيا أو آسيويا أو حتى أوروبياً ، مادة للهيمنة ، لا شريكا في إنسانية واحدة .


إن من يريد حقا حماية المسيحيين في الشرق ، لا يشعل الحروب ولا يشرعن الأحتلالات بمسميات مختلفة ولا يقوض مبدأ حق تقرير المصير ، بل يعمل على إرساء العدالة والسلام . ومن يريد حماية الإيمان ، لا يستغله لتقسيم الشعوب وإدامة الهيمنة الإستعمارية . فخطاب ترامب ليس سوى نسخة حديثة من الخطاب الاستعماري القديم الذي كان يَستخدم “نشر المسيحية” ذريعة لاحتلال الشعوب زمن “حروب الأفرنجة وما تبعها لاحقا ” التي استهدفت مسيحيي الشرق بأسم الدين المزعوم بما في ذلك كنيسة القيامة بالقدس ، كما ومسلميها ، وها هو اليوم يُعاد تسويقه بلغة “حماية المسيحيين”، بينما الحقيقة أنه مشروع لإدامة السيطرة وإشعال الفتن بين أبناء المنطقة الواحدة .


ولننظر أيضا إلى التجارب الإسرائيلية الحديثة ، مثل مؤتمر تل أبيب للأقليات ، الذي جمع قبل اسبوع ممثلين عن الدروز والأكراد والعلويين والآشوريين وغيرهم ، والذي استخدم شعارات “حقوق الأقليات” و”التعددية” كغطاء سياسي لتفكيك النسيج الوطني والاجتماعي في المنطقة . هذه التجربة تؤكد ما سبق القول بان ، الخطابات الإنسانية الزائفة تُستغل كأدوات نفوذ لتقويض الدول المستقلة وسيادتها ، تماما كما يُستخدم الخطاب الأميركي حول حماية الأقليات لتعزيز الهيمنة السياسية والاستراتيجية في المنطقة ، دون أي اهتمام حقيقي بحماية هذه المجتمعات أو حقوقها .


في زمن كهذا ، تصبح مسؤوليتنا نحن أبناء المشرق — مسيحيين ومسلمين — أن نحمي معاً معنى الإنتماء للأرض والهوية والإيمان الحقيقي بقيمة بالإنسان وبالعدالة وبالحرية من كل أشكال الأستغلال بإسم الدين أو تحت راية القوة الأستعمارية الحديثة .

شاهد أيضاً

مدفيديف : الغرب أرسل إلى أوكرانيا 500 مليار يورو ونظام كييف سرق كميات ضخمة منها

مدفيديف : الغرب أرسل إلى أوكرانيا 500 مليار يورو ونظام كييف سرق كميات ضخمة منها

شفا – أعلن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف أن الغرب أرسل 500 مليار …