6:20 مساءً / 23 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

سلام ترامب .. الوجه الجديد للتهجير ، بقلم : محمد علوش

سلام ترامب.. الوجه الجديد للتهجير ، بقلم : محمد علوش

منذ اللحظة الأولى التي وقّعت فيها “خطة ترامب” في التاسع من أكتوبر، بدا أن ما يجري ليس مشروع سلام بقدر ما هو إعادة صياغة لمشروع التهجير بأدوات أكثر نعومة ودهاء، فاللغة تغيّرت، والشعارات تبدلت، لكن الجوهر بقي كما هو: إزاحة الفلسطيني من أرضه، وإعادة هندسة الوعي العربي ليقبل النكبة في ثوب جديد اسمه “السلام”.


لم تكن “إعلانات شرم الشيخ” سوى حلقة في سلسلة طويلة من الجهود الأمريكية والإسرائيلية لتمرير تصفية تدريجية للقضية الفلسطينية، عبر تحويل قطاع غزة إلى مركز بديل للكيان الوطني الفلسطيني، ومع كل جولة سياسية، تضاف طبقة جديدة من الخداع اللفظي: “إعمار”، “تنمية”، “استقرار”، بينما الحقيقة أن كل تلك المفردات ليست سوى مفاتيح لتفكيك الجغرافيا الفلسطينية وتذويبها في محيط إقليمي مرسوم بدقة في العواصم الغربية.


وحين ظهر ترامب في لقائه مع قناة فوكس نيوز في التاسع عشر من أكتوبر 2025، لم يترك مجالاً للالتباس، حيث قال بوضوح فظّ: “سنسكن سكان غزة في بيوت لائقة في أماكن أخرى، فمصر والأردن لديهما أراض واسعة”، وكانت تلك الجملة كفيلة بإعادة تعريف “رؤية السلام” التي يتحدث عنها البيت الأبيض، كسلام يقوم على الإخراج الهادئ لشعب بأكمله من موطنه، وتوطينه في الجوار تحت مسميات إنسانية، بحيث تختزل فلسطين في “غزة الجديدة”، ويتحوّل الوطن إلى مشروع عمراني ممول من الخارج ومراقب من كوشنر و”مجلس السلام” الذي يرأسه ترامب نفسه.


هذا التحوّل في اللغة والمضمون ليس تفصيلاً عابراً، فالمخطط لم يعد يعتمد على الحروب أو الطرد المباشر، بل على “الإغراء بالنجاة”، إعمار مقابل استسلام، وازدهار مقابل تنازل، حتى يصبح التهجير قراراً طوعياً لا قسرياً.


إنها استراتيجية “الإحلال الناعم”، حيث يعاد إنتاج النكبة من دون دبابات أو لجوء جماعي، بل عبر صناديق التمويل ومؤتمرات الاستثمار، وحين يخرج كوشنر ليقول إن “الدولة الفلسطينية ليست حتمية بل احتمال”، فهو لا يتحدث عن خيار سياسي، بل يضع حجر الأساس لمشروع تقسيم جديد: دولة غزة أولاً، ثم دولة الضفة لاحقاً – إذا بقيت هناك أرض تسمح بذلك، وبينهما تدفن فكرة الدولة الواحدة المستقلة، كما تدفن الذاكرة الوطنية في دهاليز المانحين وشروطهم.


إن ما يجري ليس سوء تفاهم سياسي، بل تحول تاريخي في آليات السيطرة، فترامب لم يعد يلوّح بعصا القوة فقط، بل يقدّم الجزرة المغلفة بالسلام، وما من شيء أخطر من عدوّ يقتل بأدوات التنمية، ويهدم باسم الإعمار، ويهجّر باسم “الاستقرار الإقليمي”.


قد لا تكون هناك اليوم قوة قادرة على كبح هذا المخطط بالكامل، لكن ما يزال ممكناً تفكيك أدواته، والبداية تكون بوعي فلسطينيّ وعربيّ يقرأ ما وراء الألفاظ، ويرى في “إعادة الإعمار” مشروعاً سياسياً لا اقتصادياً، كما أن لمصر دوراً محورياً، لا من موقع الوسيط، بل من موقع الحارس للبوابة الجنوبية لفلسطين.


إن أخطر ما يمكن أن يحدث الآن هو الاكتفاء بالرفض اللفظي، فترامب لا يخشى الكلمات، بل يراهن عليها لتكون غطاءً لما يفعل، أما المقاومة الحقيقية فتكمن في الفعل السياسي الواعي، وفي إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني على أسس صلبة لا تسمح بتحويل المأساة إلى “صفقة ناجحة”.


سلام ترامب ليس نهاية الحرب، بل بدايتها في صيغة مختلفة، إنه سلام التهجير، و”إعمار الخراب”، وعودة التاريخ ليكرر نفسه، لكن بلغة أكثر تهذيباً وأشد قسوة.

شاهد أيضاً

البيت الروسي يُقيم جولة افتراضية "جسر تلفزيوني إلى المجمع المتحفي - الحدائقي في أريحا"

البيت الروسي يُقيم جولة افتراضية “جسر تلفزيوني إلى المجمع المتحفي – الحدائقي في أريحا”

شفا – أقيمت في «البيت الروسي في فلسطين» جولة افتراضية — جسر تلفزيوني إلى المجمع …