7:43 مساءً / 18 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

بين اللجوء والنجاة ، الانزياح الدلالي في ذاكرة النكبة وتشكيل الوعي للرواية الفلسطينية ، بقلم : نسيم قبها

بين اللجوء والنجاة : الانزياح الدلالي في ذاكرة النكبة وتشكيل الوعي للرواية الفلسطينية ، بقلم : نسيم قبها

من ثقل الكلمة وهُوية المصطلح


في المسيرة الطويلة للقضية الفلسطينية، تتداخل السياسة مع التاريخ ، والهوية مع الحقوق، فتبرز المصطلحات لا كمجرد مفردات لغوية، بل كحقول دلالية تحمل في طياتها روايات كاملة، وتُشكّل الوعي الفردي والجمعي. إن الانتقال من مصطلح “لاجئ” إلى “ناجٍ من النكبة” ليس مجرد تمرين لغوي، بل هو تحول فلسفي عميق يعيد صياغة الهوية من موقع الضحية إلى موقع الصانع للمستقبل، من موقع المنفعل إلى موقع الفاعل في مسيرة النضال والبقاء.

اللاجئ: المصطلح وتجلياته النفسية والاجتماعية

يحمل مصطلح “لاجئ” في طياته، رغم شرعيته الدولية، إيحاءات نفسية واجتماعية عميقة. فهو يعكس حالة من الانزياح القسري، والانقطاع عن الجذور، والارتهان لمعادلات المساعدات الدولية والظروف الإنسانية الصعبة. وهو تعريف إجرائي تستخدمه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لتحديد من يحق لهم تلقي المساعدات، حيث يشمل كل من فقد بيته ومصدر رزقه نتيجة نكبة 1948 وأبناءه وأحفاده . إنه مصطلح يربط الهوية بأزمة لحظتها، ويُعيد إنتاج حالة الطوارئ بشكل مستمر، مما قد يُحدث نوعاً من التعليق الوجودي حيث يعيش الإنسان في مساحة بين الماضي الذي فُقد والمستقبل المُعلق.

الناجي من النكبة: الانزياح الدلالي وإعادة بناء الهوية

في المقابل، يحمل مصطلح “ناجٍ من النكبة” أبعاداً دلالية مغايرة تماماً. فالناجي هو من واجه الموت والكارثة وخرج منها حياً، يحمل في ذاكرته ووجوده إرادة الحياة. هذه الإرادة هي ما يميز التجربة الفلسطينية عبر العقود. إنه تحول من التركيز على حالة “اللجوء” إلى التركيز على حدث “النكبة” بكل مأساويته، ولكن مع إضافة سمة “النجاة” التي تشير إلى المقاومة الوجودية والصمود.

إن البعد الفلسفي للناجي ، يجعله حاملا روايته بديمومة ، فهو شاهد على التاريخ وناقل للحقيقة. وجوده بذاته هو شكل من أشكال المقاومة السلمية، حيث يحول جسده إلى أرشيف حي للذاكرة الجمعية. بينما قد يُختزل اللاجئ في كونه مشكلة إنسانية بحاجة إلى حل، فإن الناجي يظل قضية سياسية وأخلاقية تتعلق بالعدالة والحق التاريخي.


ولأن البُعد السوسيولوجي حاضرا بدهشة هنا ، فهو يُعيد هذا المصطلح لتشكيل الوعي الجمعي، حيث يتحول المجتمع من “مجتمع لاجئين” إلى “مجتمع ناجين”، أي إلى كتلة بشرية تمتلك إرادة الجماعة وقدرتها على تحويل المعاناة إلى طاقة خلاقة. إنه يؤسس لهوية قائمة على الصمود وليس على الانتظار.

النكبة كحدث مؤسس والنجاة كاستمرار للوجود

النكبة ليست حدثاً من الماضي يتم تجريدها ، بل هي واقع مشتبك ممتد، كما وصفها درويش . إنها عملية متواصلة من التهجير ونزع الملكية ومحاولات طمس الهوية. في هذا السياق، يصبح مصطلح “الناجي” أكثر دقة، لأنه لا يشير فقط إلى من نجوا من أحداث 1948، بل إلى من يواصلون النجاة يومياً من تداعياتها المستمرة. وهذا يتجلى في الأجيال المتعاقبة التي تُولد وتكبر في المخيمات والشتات ، حاملةً معها ذاكرة النكبة كجزء من هويتها، ومحولة إياها إلى حافز للنضال .


إن تحولنا من نجاة الماضي إلى أمل المستقبل ، يعني التحول من “لاجئ” إلى “ناجٍ من النكبة” وهذا في جوهره تحول من خطاب الضحية إلى خطاب الصانع للتاريخ. إنه لا يلغي الحقوق أو يقلل من المأساة، بل على العكس، يمنحها بُعداً إنسانياً أعمق وأكثر إشراقاً. فهو يذكر العالم بأن الفلسطيني لم يكن يوماً مجرد رقم في سجلات الإغاثة، بل هو كائن تاريخي واجه أعتى محاولات الإبادة والطمس وخرج منها ناجياً، حاملاً مفتاح بيته ورواية أجداده وإصرار أبنائه على العودة.

إنها إذا إرادة الحياة التي تتجلى في تحويل النكبة من هزيمة إلى منبع للقوة، ومن انكسار إلى مصدر لإعادة البناء. فالناجون لا ينتظرون المستقبل، بل يصنعونه بثباتهم، وهم بذلك لا يحافظون على الحقوق فحسب، بل يبنون الأجيال التي ستحقق الحلم العائد، حلم العودة إلى “الجنة” المفقودة، كما يحلم عجائز كثر نجوا من لهيب النكبة . ففي النجاة، يصبح الوجود ذاته مقاومة، والذاكرة سلاحاً، والمستقبل إمكانية لا تُقهر.

  • – نسيم قبها – الحملة الأكاديمية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد

شاهد أيضاً

الرئيس محمود عباس يستقبل وفدا من اتحاد المقاولين الفلسطينيين

الرئيس محمود عباس يستقبل وفدا من اتحاد المقاولين الفلسطينيين

شفا – استقبل رئيس دولة فلسطين محمود عباس ” ابو مازن ” ، اليوم السبت، …