11:18 مساءً / 10 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

لا تسمحوا بإعادة هذا المارد إلى القمقم ، قراءة تحليلية في مقال الدكتور مصطفى البرغوثي ، بقلم : المهندس غسان جابر

لا تسمحوا بإعادة هذا المارد إلى القمقم ، قراءة تحليلية في مقال الدكتور مصطفى البرغوثي ، بقلم : المهندس غسان جابر

لا تسمحوا بإعادة هذا المارد إلى القمقم ، قراءة تحليلية في مقال الدكتور مصطفى البرغوثي ، بقلم : المهندس غسان جابر

في مقاله الأخير بعنوان «لا تسمحوا بإعادة هذا المارد العظيم إلى القمقم»، يقدّم الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، واحدة من أكثر القراءات عمقًا وإلهامًا في المشهد العالمي الراهن المتعلق بفلسطين. فالنص ليس مجرّد عرض لتجربة زيارة إلى جنوب أفريقيا، بل هو بيان سياسي واستراتيجي يعلن أن العالم يشهد لحظة تحوّل تاريخية، وأن طاقة التضامن الشعبي مع فلسطين قد بلغت مستوى غير مسبوق منذ عقود.

منذ السطور الأولى، يأخذنا الدكتور إلى مشهدٍ نابض في جنوب أفريقيا، حيث الشوارع، الكنائس، المساجد، والبيوت تكتسي بألوان العلم الفلسطيني. لكنه لا يتوقف عند الوصف، بل ينقل عن مناضلي مقاومة الأبارتهايد قولهم إن ما يجري اليوم من حراك تضامني مع فلسطين أعظم مما شهدوه ضد نظام الفصل العنصري في بلادهم. هذه المقارنة تشكّل نقطة ارتكاز في المقال، لأنها تنقل القضية الفلسطينية من حيز المعاناة المحلية إلى فضاء النضال الإنساني العالمي.

يؤكد الدكتور البرغوثي أن ما كان يراه البعض حلمًا أصبح واقعًا ملموسًا: برلمانات تضغط على حكوماتها، شعوب تجبر قادتها على الاعتراف بفلسطين، ودول تفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على إسرائيل. في المقابل، تتهاوى رموز الاحتلال في عزلةٍ غير مسبوقة داخل الأمم المتحدة. كل ذلك، كما يرى الدكتور، يثبت أن “مارد التضامن العالمي” عندما يخرج من قمقمه، لا حدود لقدرته على التغيير.

لكن الدكتور البرغوثي لا يكتفي بالاحتفاء بهذه النهضة، بل يحذّر من محاولات احتوائها أو تحويلها إلى مجرد عواطف موسمية. فالتاريخ – كما يذكّر – علّمنا أن لحظات القوة الثورية قد تُجهض حين تُغرق في البيروقراطية الرسمية، كما حدث مع نتائج الانتفاضة الأولى بعد اتفاق أوسلو. لذلك، يوجّه الدكتور نداءً واضحًا: “لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين”، مشددًا على ضرورة حماية الحراك الشعبي من التراجع أو الترويض.

في هذا السياق، يبرز المقال كوثيقة تستنهض الوعي الفلسطيني والعالمي معًا. فهو يحمّل الشعب الفلسطيني مسؤولية شكر الملايين من المتضامنين حول العالم، لكنه يذكّره في الوقت ذاته بأن هذه الموجة التضامنية ليست بديلاً عن النضال الداخلي، بل رافعة له. التضامن، كما يصفه الدكتور البرغوثي، ليس عملاً خيرياً، بل موقف مقاوم ومكوّن رئيسي من مكوّنات القوة الفلسطينية.

يتعامل المقال مع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) كأداة استراتيجية لتغيير ميزان القوى، لا مجرد وسيلة ضغط رمزية. فبفضلها بدأت الحكومات في أوروبا وأميركا اللاتينية تتخذ مواقف أكثر جرأة، وهو ما أدّى إلى محاصرة نتنياهو سياسياً، بل وعزل الإدارة الأميركية في كثير من المحافل. هذا التحول، برأي الدكتور، هو ثمرة جهدٍ شعبي عالمي منظم، يقوده جيل جديد – جيل “زد” – الذي كسَر احتكار الرواية الصهيونية في الإعلام الغربي، ورفع لأول مرة نسبة المؤيدين لفلسطين في الولايات المتحدة إلى أكثر من 50%.

يقدّم الدكتور مصطفى البرغوثي رؤية سياسية متكاملة لمستقبل التضامن العالمي، تقوم على ثلاثة مرتكزات:
أولاً، تحويل التضامن من رد فعل إلى فعلٍ مستدام يتواصل بعد وقف الحرب على غزة، وصولاً إلى إنهاء الاحتلال ونظام الفصل العنصري.


ثانيًا، تنظيم طاقات الحراك الشعبي وجعلها أكثر فاعلية في الميدانين الإعلامي والاقتصادي.


وثالثًا، خوض معركة الرواية، إذ يدرك أن الاحتلال بدأ حرباً موازية للسيطرة على عقول الشباب عبر الإعلام ومنصات التواصل.

وفي خاتمة مقاله، يستخدم البرغوثي استعارة المارد والقمقم ليجسّد الصراع بين قوتين: قوة الشعوب التي نهضت نصرة للحق الفلسطيني، وقوة الأنظمة والمؤسسات التي تسعى لإعادتها إلى حالة الصمت والترويض. هذا الصراع، كما يراه، لن يُحسم إلا بإصرار الشعوب على المضي في طريق الحرية حتى النهاية.

إن رسالة المقال واضحة وعميقة: ما يجري اليوم ليس مجرّد تضامن مع غزة، بل ولادة حركة تحرر عالمية جديدة، ترى في فلسطين مرآة لقيم العدالة الإنسانية ذاتها. وإذا كان “المارد” قد خرج من القمقم، فواجب الفلسطينيين وحلفائهم أن يصونوا هذا الوعي العالمي من الخداع والانطفاء، وأن يحوّلوه إلى قوة تغيير دائمة تُسقط الاحتلال، وتنهي الأبارتهايد، وتعيد للشعب الفلسطيني حقه في الحرية والكرامة وتقرير المصير.

بهذا المعنى، لا يُعتبر مقال الدكتور مصطفى البرغوثي مجرد قراءة سياسية في حدثٍ عابر، بل وثيقة نضالية تدعو إلى تحويل موجة التضامن العالمية إلى مشروع تحرر إنساني شامل، يكتب فيه العالم فصلاً جديداً من فصول العدالة، عنوانه فلسطين… والمارد الذي لن يعود إلى القمقم.

  • – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.

شاهد أيضاً

مجموعة الصين للإعلام تطلق مبادرة بناء استراتيجية تقوية العلامات التجارية الوطنية لعام 2026

مجموعة الصين للإعلام تطلق مبادرة بناء استراتيجية تقوية العلامات التجارية الوطنية لعام 2026

شفا – أعلنت مجموعة الصين للإعلام اليوم الجمعة عن اطلاق مبادرة ” بناء استراتيجية تقوية …