
لماذا تبنى رئيس كولومبيا “غوستافو بيترو” القضية الفلسطينية؟ ، بقلم : د. دانييلا القرعان
حاولت قبل بحثي عن إجابة على هذا السؤال أن أدرس شخصية هذا الرمز “بيترو” فوجدته ينتمي للتيار اليساري وأنه سبق له بأن شارك في تمرد حركة تسمى عندهم حركة M-19 قبل أن يصبح سياسي مخضرم ولديه حساسية تجاه قضايا العدالة الاجتماعية، القمع، والمظلومين في العالم، عدا أن كولومبيا تستضيف جالية عربية كبيرة (لبنانية وفلسطينية) لها بعض التأثير ما جعل هناك وقع محلي بارز تجاه القضية الفلسطينية (3 مليون من أصل 33 مليون).
أهم ما أعلنه “بيترو” هو قطعه للعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل واصفًا اياها بأنها حكومة إبادة في سياق حرب غزة، وقرّر تعيين سفير أول لكولومبيا لدى السلطة الوطنية الفلسطينية، وقد فتح سفارة فعلاً تأكيداً على إعترافه الرسمي والدبلوماسي بفلسطين، ورفض شراء أسلحة من إسرائيل عقب بعض الحوادث وهو يندد كثيراً بالعنف ضد المدنيين ويطالب بحماية حقوق الإنسان ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعوب المقهورة.
أما الدوافع المحتملة وراء هذا الموقف، فحتماً يرى “بيترو” بأن هناك ظلم كبير واقع على الشعب الفلسطيني من حيث الخسائر في الأرواح والدمار وأن السكوت أو الحياد في هذه المواقف لا يتماشى مع مبادئ العدالة الإنسانية لذا نراه يستخدم كثيراً في خطبه لفظة “الإبادة” ويدعو إلى محاسبة كل طرف دولي يغض الطرف عن المسبب، وربما سبب تأييده لقضية فلسطين هي أنها جزء من بناء قاعدة سياسية تدعم القيم التقدُّمية والتضامن مع الشعوب المظلومة وتحقيق التعزيز لشعبيته بين من يهمهم هذه المواقف، مما يعزّز صورة كولومبيا على الساحة الدولية كدولة تنادي بالحق وتقاوم الظلم، وينتقد علناً ما يراه ازدواج بالمعايير في التعامل مع النزاعات وحقوق الإنسان، ويأتي تبنيه للقضية الفلسطينية للمطالبة بإلإنصاف في السياسة الدولية.
وبينما يرى أنصاره أنه صاحب موقف شجاع وإنساني لأنه يقف إلى جانب المظلومين ويدافع عن حقوق الإنسان عالميًا ويعتبرون هذا امتدادًا لرؤيته التقدمية في تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة التمييز والوقوف ضد عسكرة الدولة، فإننا نجد معارضيه يتنتقدونه ويتهمونه أنه أضر بعلاقات كولومبيا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل خصوصاً في مجال التعاون العسكري والاستخباراتي وهو بذلك يعزل كولومبيا دبلوماسيًا ويشوّه صورتها كدولة معتدلة، وما استعماله للقضية الفلسطينية الا لصرف الانتباه عن مشاكل داخلية أخرى في الاقتصاد والأمن وتهريب المخدرات، ولمؤسسته العسكرية تحفظ كبير لأن إسرائيل تعتبر المزوّد الرئيس للأسلحة المتقدمة والتكنولوجيا العسكرية المهمة في حرب الحكومة ضد المتمردين والمخدرات، وبالتالي، فقرار وقف شراء الأسلحة يثير القلق ويضعف جاهزية الجيش خاصة اذا ما تم الاعتماد على مصادر بديلة أقل جودة وأكثر كلفة.
وبذلك نجد الشارع الكولومبي منقسم ما بين اليساريين الشباب الذين يميلون للتعاطف مع فلسطين خاصة مع المشاهد الإنسانية من غزة وبين الطبقة المحافظة ورجال الأعمال الذين يرون في مواقفه تهديد للمصالح الاقتصادية والعلاقات الدولية، لكن بشكل عام لا تعتبر كولومبيا مثل أوروبا والعالم العربي في قوة الحراك الشعبي حول القضية الفلسطينية، إذ أن الاهتمام صحيح موجود لكنه شبه رسمي وليس واسع الانتشار كما يعتقد.
بإختصار، لقد تلقف الإعلام الشعبي العربي عاطفياً إهتمام الرئيس الكولومبي وتصريحاته المثيرة حول القضية الفلسطينية بالكثير من القبول والرضا كونه نادر ما يلمس هكذا تعاطف من قبل قادة أجانب، أما أكثر ما لفت نظر شعوبنا العربية فهي فكرة اعلانه عن تأسيس جيش عالمي لتحرير فلسطين، الأمر الذي ربما لم نعتد على سماعه من رئيس دولة أجنبية بهذه الصراحة.