5:47 مساءً / 1 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

الضفة الغربية على المحك ، السيناريوهات الإسرائيلية للضم وتداعياتها ، بقلم : محمد زيات

الضفة الغربية على المحك ، السيناريوهات الإسرائيلية للضم وتداعياتها ، بقلم : محمد زيات

الضفة الغربية على المحك: السيناريوهات الإسرائيلية للضم وتداعياتها ، بقلم : محمد زيات


تعد الضفة الغربية من أبرز النقاط الساخنة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث تتقاطع المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية في واحدة من أكثر المناطق حساسية في الشرق الأوسط، ومع مرور السنوات، أصبح الحديث عن احتمال الضم الإسرائيلي لأجزاء من الضفة الغربية قضية محورية على الساحة الدولية والإقليمية، مما أثارت قلقًا كبيرًا لدى الفلسطينيين والمجتمع الدولي على حد سواء.

إن الضفة الغربية اليوم تحتوي على أكثر من 600 ألف مستوطن إسرائيلي موزعين على نحو 250 مستوطنة، الأمر الذي يجعل أي خطوة ضم، سواء كانت جزئية أو كاملة، عملية معقدة تواجه تحديات قانونية وسياسية وأمنية كبيرة، وتصتطدم مع فكرة حل الدولتين وتجعلها بعيدة المنال، وغير قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

في ضوء هذه المعطيات، تتعدد السيناريوهات المحتملة لضم الضفة الغربية، وكل سيناريو يحمل تداعيات مباشرة وغير مباشرة على الفلسطينيين، وإسرائيل، وحتى على الدول الكبرى، وفي هذا المقال سوف نستعرض أربعة سيناريوهات بالتفصيل، مع تحليل سياسي، أمني، واقتصادي لكل منها، بالإضافة إلى استعراض ردود الفعل المحتملة على المستويين الإقليمي والدولي.


يشير هذا السيناريو إلى ضم مناطق محددة فقط، مثل المستوطنات الكبرى المنتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية أو المناطق الاستراتيجية التي تضمن لإسرائيل إبقاء السيطرة على ممرات حيوية ومن خلالها تعزل المدن الفلسطينية الكبرى في كنتونات كبيرة، وتبقي على باقي المساحة للتوسع الاستيطاني بشكل تدريجي.


الضم الجزئي يمكن أن يعزز موقف الحكومة الإسرائيلية داخليًا، خاصة بين التيارات اليمينية المتطرفة، لكنه قد يواجه انتقادات من المجتمع الدولي، خصوصًا الاتحاد الأوروبي ودولاً مثل روسيا والصين وقد تكون شكلياً الولايات المتحدة الأمريكية، فتصريحات مسؤولين أوروبيين أكدت في أكثر من مناسبة أن أي ضم أحادي الجانب سيعتبر خرقًا للقانون الدولي، وبالتالي سيجد المجتمع الدولي نفسه مجبراً على تسجيل مواقف أخلاقية كأقل رد فعل في حال تطبيق مثل هذا السيناريو.


من المرجح أن يؤدي الضم الجزئي إلى تصعيد الاحتكاكات مع الفلسطينيين، خصوصًا في مناطق مثل غور الأردن ومستوطنة أريئيل وهي كبرى مستوطنات الضفة وتَجمُع غوش عتصيون ومستوطنة كريات أربع في جنوب الضفة الغربية، حيث شهدت الاحتجاجات الأخيرة مواجهات أمنية متفرقة، مما يحتم استدامة الصراع وإنسداد الأفق على جميع الأصعدة مما يعزز على إبقاء الفتيل مشتعلاً.


يتطلب الضم الجزئي استثمارات كبيرة في البنية التحتية والمستوطنات وخاصة أن إسرائيل تواجه أزمة إقتصادية غير مسبوفة نتيجة الحرب الوحشية التي تقوم بها في قطاع غرة والضفة الغربية، بالإضافة إلى تكلفة أمنية إضافية لضمان السيطرة على المناطق الجديدة، وخاصة أن إسرائيل تعتمد في إحتلالها للأراضي على إقناع الجبهة الداخلية، والمواطن الإسرائيلي أنها دولة قائمة على الأمن وأن أمن المواطن فيها فوق كل إعتبار.


الضم الكامل ويعني فرض السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية، بما فيها جميع المستوطنات والمناطق الفلسطينية.


سيواجه الفلسطينيون في حال تطبيق هذا السيناريو أزمة تمثيل حادة، مع احتمال شلل مؤسسات السلطة الفلسطينية وهذا ما تسعى له إسرائيل منذ وقت ليس بالقليل في تضيق الخناق على السلطة بكل السبل المتاحة وغير المتاحة، وسوف يتصاعد دعم حركات المقاومة، هذا السيناريو قد يؤدي إلى موجة احتجاجات واسعة النطاق وربما تصعيد مسلح محدود أو كامل في بعض المناطق أو معظمها.


من المتوقع أن يواجه الضم الكامل رفضًا دوليًا واسعًا، بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية محتملة، وعزلة جزئية لإسرائيل على الساحة الدولية والتي باتت ملامحها تتضح من الآن بسبب حرب الإبادة على قطاع غزة، فالأمين العام للأمم المتحدة أكد أن الضم الشامل سيكون خرقًا صارخًا للقانون الدولي، مما يزيد الضغوط على تل أبيب.


سيناريو الضم الكامل يحمل احتمالية تصاعد العنف في كافة أنحاء الضفة الغربية، مما يعني ترسيخ الصراع وتوسعه بشكل لا يمكن السيطرة عليه فيما بعد، وزيادة التوترات على الحدود مع إسرائيل وإشتعال مناطق التماس، وربما يتمد ليصل إلى إشعال صراع إقليمي أوسع وخاصة على الحدود مع الأردن.


يشمل هذا السيناريو تنفيذ الضم بصمت ودون إعلان واضح على مراحل زمنية، بدءًا بالمستوطنات الكبرى والمناطق الاستراتيجية، مع التوسع تدريجيًا لاحقًا، وهذا ما تقوم به إسرائيل اليوم ومنذ عدة عقود بحيث تتجنب ردات الفعل الدولية التي قد تؤثر على مكانتها وصورتها أمام المجتمع الدولي.


يمكن للضم التدريجي أن يقلل من ردود الفعل الدولية المباشرة، لكنه يبقي على استياء فلسطيني مستمر، مما يعقد المفاوضات المستقبلية، ويجهض تفعيل أي مسعى أو قرار قديم أو حتى جديد لتطبيق حل الدولتين.


قد يؤدي الضم التدريجي إلى احتكاكات متكررة مع أصحاب الأرض الفلسطينيين على المدى الطويل، وسوف تتصاعد المواجهات تدريجيًا كلما توسعت السيطرة الإسرائيلية على المزيد من الأراضي الفلسطينية.


على الرغم من أن الضم التدريجي قد يقلل بعض التكاليف الأولية مقارنة بالضم الكامل، إلا أن الاستثمار في البنية التحتية والمستوطنات سيظل مرتفعًا، بالإضافة إلى تحمل تكاليف أمنية مستمرة لضمان السيطرة كما في أي سيناريو آخر.


حتى مع أي خطة ضم، يبقى رد الفعل الدولي عنصرًا حاسمًا في تحديد مصير الضفة الغربية، فمهما كان هذا الرد ضعيفاً تبقى له أهميته ووزنه على الساحة الدولية، وخاصة في إظهار وجه إسرائيل الحقيقي كدولة احتلال وفصل عنصري.


من المتوقع أن تصدر الأمم المتحدة بيانات تنديد، وربما قرارات غير ملزمة تحث على التراجع عن أي خطوات أحادية الجانب، وهذا ما أثبتت فيه إسرائيل في أكثر من مرة أنها لا تلتزم بهذه القرارات، وذلك من خلال إستنادها على أقطاب كبرى في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لم تكل ولم تمل من رفع يدها بالفيتو (حق الرفض) في كل مرة أمام العالم من أجل عدم إدانة إسرائيل أو إلحاق أي ضرر بمصالحها.


الاتحاد الأوروبي، وروسيا والصين، والكثير من الدول الوازنة في المجتمع الدولي، قد تستخدم أدوات ضغط دبلوماسية أو اقتصادية مختلفة، بما في ذلك فرض قيود على التعاون العسكري أو الاقتصادي مع إسرائيل، حسب حجم الضم وطبيعته، ولكن ستكون خطوات مدروسة بحذر شديد، لأن هذه الدول لها مصالح وتوازنات إستراتيجية وأمنية وإقتصادية مع إسرائيل، فهي مضطرة إلى إمساك العصى من المنتصف لكل لا تختل هذه المصالح والتوازن، سيما أن الولايات المتحدة كما ذكرنا لن تترك إسرائيل وحيدة تحت أي ظرف من الظروف، مما يُحتم إلى إعادة تقييم هذه الدول لأي خطوة قد تتخذها ضد إسرائيل.


قد تشهد الساحة العربية تنسيقًا دبلوماسياً في كل أقطابها لدعم أشقائهم الفلسطينيين، بما يشمل الدعم المالي والسياسي الذي سيكون بمثابة أقل الواجب إتجاههم، فالشعب الفلسطيني عانى الأمرين من الاحتلال وممارساته، وربما قد يذهب العرب إلى تفعيل قرارات الجامعة العربية التي بقيت لسنوات طويلة حِبراً على ورق للضغط على إسرائيل، وخاصة مع ظهور رئيس الوزراء الإسرائيلي وعدد من وزرائه مؤخراً، وفي أكثر من مناسبة ومعهم خرائط لما يطلقون عليه إسرائيل الكبرى، فقد يعيش العرب ماعاشه اشقائهم الفلسطينيون في حال نفذت إسرائيل أياً من السيناريوهات السابقة.


تَجمع السيناريوهات بين المخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية، ما يجعل أي خطوة إسرائيلية محفوفة بالتحديات، فالضم الجزئي قد يكون أكثر قبولًا نسبيًا على الصعيد الدولي، لكنه يثير الغضب الفلسطيني ويزيد الاحتكاكات الأمنية وبالتالي عدم الخروج من دوامة الصراع كما أسلفنا، بل على العكس يعني ذلك بالضرورة إستدامة الوضع القائم وربما وذهاب نحو تدهور أكبر وعلى جميع الأصعدة، أما الضم الكامل فهو يحمل في طياته مخاطر عالية من حيث التوتر الإقليمي والعزلة الدولية ولن يكون محتكراً على الفلسطينيين والإسرائيليين فقط، بل ستمتد آثاره إلى دول الجوار، ويبقى الضم التدريجي خيارًا “ذكيًا” وصامتاً (كما يحدث الآن) من منظور إسرائيل لتجنب ردود فعل قوية أو فورية، لكنه يعقد بل ويقتل أي حل سياسي مستقبلي نحو الآمال الفلسطينية بتحقيق إستحقاق إنتظره الشعب الفلسطيني طويلاً وقدموا في سبيله الغالي والنفيس لإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة، كما أن هذا بالطبع سيؤثر على واقع الفلسطينيين بشكل دائم حتى في أدق التفاصيل بحياتهم اليومية.


يبقى مصير الضفة الغربية مرتبطًا بالتحركات السياسية الدولية ومدى جديتها في التفاعل والضغط على إسرائيل، وليس الإكتفاء بالتصريحات البراقة والرنانة، والقيام بخطوات عملية سريعة ورادعة لإسرائيل على الأرض لكبح جماح هذه الحكومة الإسرائيلية الأشد يمينية وتطرفاً بتاريخ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وعلى الجانب الآخر هناك قرارات إسرائيل التي لم تعرف حتى هذه اللحظة أي خط أحمر في ممارسة شتى أنواع الجرائم اليومية في كل بقعة من الجغرافيا الفلسطينية، والتي لا حصر لها من قتل بدم بارد وإعتقال وتنكيل وقمع وهدم ومصادرة للأراضي وحواجز وبوابات عزلت الأراضي الفلسطينية بشكل مجحف، كل هذا يُمارس بحق شعب أعزل يسعى للعيش بكرامة بدولة آمنة مستقرة ومستقلة، كما كل شعوب الأرض، وخاصة بعد ما قدمه من تضحيات جِسام بلغت عنان السماء، وأخيراً ردود الفعل الفلسطينية، سيبقى كل خيار يحمل تداعيات مباشرة وغير مباشرة، ويبرز أهمية متابعة التطورات عن كثب لضمان فهم شامل للتوازنات السياسية في المنطقة، وفهم كيفية تأثير كل سيناريو على مستقبل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

شاهد أيضاً

هآرتس : حماس تتجه للموافقة على خطة ترامب مع بعض التعديلات

هآرتس : حماس تتجه للموافقة على خطة ترامب مع بعض التعديلات

شفا – أكدت مصادر مطلعة على المحادثات الجارية في الدوحة بشأن خطة الرئيس الأميركي دونالد …