3:22 مساءً / 1 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

أرامل الإبادة صراع الفقد والبقاء ، بقلم : آمنة الدبش

أرامل الإبادة صراع الفقد والبقاء ، بقلم : آمنة الدبش

في غزة لا تترك الحروب مجالاً للأحلام أن تكتمل فمنذ بداية الإبادة الجماعية على غزة تحوّلت مئات الفتيات بعمر الزهور إلى أرامل خضن مرارة الفقد في ريعان شبابهن ليجدن أنفسهن فجأة يواجهن الألم بصمت ويحملن فوق صدورهن ذكريات الأحبة الذين استُشهدوا ويتشبثن بالأمل والثبات رغم كل شيء.


▪︎ من يحتضن الجراح


سؤال يعلو بصمت في بيوت تحوّلت في لحظة إلى خيامٍ مهترئة فقدت دفءَ الأزواج والأمان والاستقرار فتيات تحولن أرامل قبل أن يتعلمن حتى كيف يُنطق الحب يواجهن الحياة وحدهن محمّلات بثقل الذكرى وخوف الغد المحاط بالضباب امام وحدة لا يشاطرها أحد.


كثيرات منهن لا يملكن أطفالاً وقد يواجهن نظرة مجتمعية قاسية تفرض عليهن واقعاً مريراً وبعضهن من تحمل في بطنها جنيناً تبدأ رحلة تربية ابن الشهيد بين الحنين والخوف وتحمل المسؤولية ومنهن يقررن ألا يطرقن باب الزواج مرة أخرى وفاءً لذكرى الزوج الشهيد حتى لو لم يجمعهن به سوى أيام معدودة.


في غزة لا تنتهي الحكايات بالموت فكل شهيد يترك وراءه زوجة أو أماً أو أختاً تُكمل الطريق تُنجب بدلاً منه تُقاتل بالكلمة أو بالصبر، فتيات في زهرة العمر تحوّلت بسمتهن إلى دموع لكنهن رفضن الانكسار فالحرب سرقت احلامهن لكنها لم تسرق ارادتهن ، ففي كل بيت غزي تُروى قصة عشق لم تكتمل لكنها أصبحت خالدة.


▪︎ زواج لم يكتمل


سارة احمد (21عاماً) من مخيم رفح تزوجت بعد خطوبة قصيرة وكانت تعد الأيام لتبدأ حياة جديدة مع زوجها في اليوم الثالث من زواجهما خرج زوجها ليشتري بعض الاحتياجات دقائق اجتاح السكون دائرة الحياة فلم يعد زوجها استُشهد إثر قصف مفاجئ تاركاً سارة وسط زغاريد لم تخمد بعد ، في لحظة واحدة تحوّل الفستان الأبيض إلى كفنٍ رمزي وغرفة العرس إلى زاوية للبكاء تقول سارة ” كل شيء كان جديداً البيت، الأحلام، وحتى ابتسامتي فالحرب لم تقتل زوجي فقط بل سرقت عمري وأنا بعد في بدايته.”


▪︎ الحرب لم ترحم


لينا شحادة من مخيم الشاطئ لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها أم لثلاثة أطفال تحمل في قلبها ما لا تتحمله الجبال في أحد أيام القصف العنيف على غزة استُشهد زوجها بصاروخ لا يعرف الرحمة ، تركها وحيدة في مواجهة غياب السند وأمام مسؤولية تربية أولاده الصغار لا يدركون معنى “اليتم” بعد لكنهم يشعرون بغياب لم يفهموه.
تقول لينا بصوت مكسور”لم أتخيل أن أكون أماً لكل هؤلاء الأطفال بهذه الطريقة لم يكن هذا هو حلمي لكن الآن علي أن أكون لهم الأب والأم أخاف عليهم من غدٍ مجهول وأحاول أن أمنحهم حياة طبيعية وسط الدمار.”
حياة لينا تغيرت بشكل جذري بين الحزن والثبات بين المسؤولية والخوف لكنها رغم كل شيء تواصل المشي بخطوات صغيرة مدفوعة بالأمل في غدٍ أفضل.


▪︎ أم لم تُكمل الحداد


اية ابو شهلا (24 عاماً ) من بني سهيلا خانيونس لم تكن تتخيل أن تتحول أحلامها الصغيرة إلى مسؤولية أكبر من عمرها في شهرها الأول من الحمل وقبل أن تشعر حتى بحركة الجنين في أحشائها استُشهد زوجها في غارة جوية استهدفت منزل عائلته كان رحيله سريعاً قاسياً بلا وداع ، تركها تائهة بين صدمة الفقد وفرحة لم تكتمل.


تتحدث اية بصوت خافت “كنت أعد الأيام لنبدأ حياتنا واليوم أعد الشهور لألد طفلاً لن يعرف والده أبداً ، أعيش بين الخوف من الغد والحنين لمن رحل وأحاول أن أكون قوية لأنني لم أعد وحدي.”


تحوّل الحداد إلى عبء ثقيل لم يُمنح الوقت ليأخذ مجراه فكل حركة تشعر اية بها في بطنها تذكرها بأنها لم تخسر كل شيء، وكل صورة لزوجها تُشعل سؤالاً واحداً في ذهنها كيف ستُخبر طفلها يوماً أن والده كان بطلاً رحل قبل أن يحتضنه؟
ارتفاع نسبة النساء الأرامل في غزة تزداد يوماً بعد يوم بتقديرات إحصائية تفوق الأرقام بقدر وحشية الابادة الجماعية ، مسؤوليات ضخمة لا تستكين أمامها آلاف النساء اللاتي استشهد أزواجهم في تربية الأبناء والاهتمام بصحتهم فضلاً عن تأمين أبسط حاجاتهم للعيش الكريم في ظل معاناتهن اليومية من جوع ونزوح وخوف وحزن لا ينتهي لكنهن في عمق ألمهن يُظهرن قدرة لا تُعد على الصمود والصبر والثبات.

  • – آمنة الدبش – صحفية وناشطة نسوية بغزة

شاهد أيضاً

التوجيه السياسي والاستخبارات العسكرية ينظمان ورشة تدريبية حول الأمن السيبراني في جنين

التوجيه السياسي والاستخبارات العسكرية ينظمان ورشة تدريبية حول الأمن السيبراني في جنين

شفا – نظمت مديرية التوجيه السياسي والوطني لمحافظة جنين، بالتعاون مع جهاز الاستخبارات العسكرية، ورشة …