
حسابات خاطئة ، الترحيب بخطة تُقصي أصحابها ، بقلم : مروان إميل طوباسي
مع تصاعد المخاطر على شعبنا الفلسطيني ، يبدو التعاطي مع خطة ترامب وسط استمرار عدوان الإبادة والتطهير العرق الإسرائيلي ، بما في ذلك التهديدات والاعتداءات المحتملة اليوم ضد أسطول الصمود بالتضامن مع شعبنا وكسر الحصار ، والواجب تحية المشاركين فيه من دول مختلفة ، خطوة تشكل استمرار عقلية القرصنة الإسرائيلية واصرارها على انتهاك القانون الدولي وقانون البحار ، محفوفة بالمخاطر وتحدي لشعوب العالم ومواقف عدد من الدول الأوروبية ، وقد تُسهم في تفاقم الأزمة الإنسانية وتزيد من الضغط على غزة وشعبنا في مواجهة الأحتلال أمام تصاعد موجات التضامن الدولي مع كفاح شعبنا العادل .
فالبيان الصادر عن السلطة الوطنية مساء أمس – إن صح ذلك – الذي عبّر عن الترحيب بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول غزة، يطرح تحديا استراتيجيا كبيرا . فالبيان أبدى ثقة بقدرة ترامب على إيجاد طريق نحو السلام ، وأعلن استعداد السلطة للتعاون معه لإنهاء الحرب، في وقتٍ لم تتضمن فيه الخطة أي إشارة إلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني أو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، الحقوق التي أكدت عليها الشرعية الدولية منذ إعلان وثيقة الاستقلال عام ١٩٨٨ وتوالي الاعترافات بالدولة الفلسطينية ذات السيادة والمعرفة جغرافيا .
الأخطر أن الخطة المفخخة كما أعلنها ترامب نفسه جرى تفصيلها على نحو يستبعد منظمة التحرير أو السلطة الوطنية تماما من أي دور مستقبلي في إدارة غزة . فقد أكد نتنياهو أنه اتفق مع ترامب على أن تكون إسرائيل صاحبة اليد العليا في نزع سلاح القطاع، وأن الحكم على تنفيذ الشروط سيكون بيد إسرائيل والولايات المتحدة فقط .
وكشف تقرير موقع أكسيوس الأميركي أن نتنياهو أدخل تعديلات جوهرية على الخطة التي سبق أن عرضها ترامب على قادة الدول العربية والإسلامية، ربط فيها انسحاب إسرائيل غير الكامل من غزة بتنفيذ نزع السلاح ، ومنح تل أبيب حق النقض، وأبقى قوات الاحتلال في منطقة “أمنية” داخل القطاع إلى أجل غير مسمى . وهذا يعني أن النسخة النهائية التي ستُطبّق تخالف الإجماع المعلن سابقا ، وتُقصي المنظمة وحكومة السلطة الوطنية الفلسطينية من أي دور رغم حق الولاية السياسية والجغرافية لها على كافة اراضي دولة فلسطين المحتلة وحقها بتشكيل الحكومة التي اعلن ترامب نفسه رغبته في تشكيلها في غزة تحت مسميات مختلفة باستبعاد الممثل الشرعي وفق المواثيق والاتفاقيات والقرارات الأممية ، بما يجعل الترحيب العربي والفلسطيني بها أكثر إشكالية .
ورغم ان وقف الإبادة الجماعية ومحرقة القرن ٢١ تحمل أولوية إنسانية وطنية عاجلة ، فأن الخطة توحي بأن ما يجري في غزة حرب بين طرفين ، بينما الحقيقة أن القطاع يتعرض لعدوان أحادي الجانب بشراكة أميركية منذ البداية ، يستهدف المدنيين بلا استثناء أحد ، وهو ما يجعل تحميل الضحية مسؤولية استمرار العدوان أمرا غير مبرر من جانب جهات دولية .
قد يرى البعض أن موقف السلطة الوطنية جاء من باب البراغماتية السياسية، أو محاولة للحفاظ على قنوات دبلوماسية مفتوحة مع واشنطن، وتجنب أن تبدو خارج “الإجماع الدولي والعربي والإسلامي” المعلن . لكن هذا الموقف يواجه تناقضا واضحا ، فالإجماع المعلن كان على خطة ترامب الأولية ، بينما النسخة النهائية التي عدّلها نتنياهو تخدم مصالح إسرائيل اولا واخيراً ، وتمنحها السيطرة المطلقة على غزة ، وتقصي المنظمة والسلطة الفلسطينية بالكامل وتُبقي على التوسع الكولنيالي بالضفة والقدس عاصمة موحدة لدولة الأحتلال .
كما أن الالتزامات الواردة في البيان – مثل اقتراحات حول شكل الدولة، تعديل المناهج، إعادة النظر بمخصصات الأسرى والشهداء – تبدو أقرب إلى استجابة لضغوط خارجية من كونها مبادرات وطنية مستقلة ، ما يعمّق الانطباع أن الهدف الأساسي هو تجنب الصدام مع واشنطن ، بعيدا عن أولوية الحقوق الوطنية لشعبنا وتراثه الوطني الكفاحي والثقافي .
الآِن وامام كل ذلك ، فان العمل الوطني المطلوب فلسطينياً الآن يتوجب أن يشمل بأعتقادي :
١.إعلان حكومة إنقاذ وطني تتوافق مع كافة المكونات الفلسطينية تكون مرجعيتها منظمة التحرير مع ضرورات استنهاضها العاجل وفق استقلالية قرارنا الوطني .
٢. عقد اجتماع عاجل للمجلس المركزي لمنظمة التحرير بعضوية واضحة وبشفافية عالية ، بهدف تمكين الوحدة الوطنية والمراجعة النقدية لمسار العمل الوطني .
٣. وضع رؤية وطنية مستقلة تتضمن برنامجا وأدوات واضحة لمواجهة المخططات الأميركية–الإسرائيلية، والاستفادة من نهوض شعوب العالم بالتضامن مع قضيتنا ، والوصول الى ايضاح مفهوم ومعالم المشروع الوطني التحرري الفلسطيني وفق الحقوق التاريخي والسياسي. والشرعية الدولية ونهوض التضامن الدولي ، حتى لا نُلدغ من نفس الجُحر مرات .
٤. معالجة ازمة نظامنا السياسي عبر تعزيز منهج العمل الديمقراطي ومسار الانتخابات العامة التي كان قد أعلن عنها بمراسبم رئاسية سابقة ، كما وتعزيز الشفافية والحوكمة المهنية في جميع مستويات عمل مؤسسات الدولة تحت الأحتلال وبناء التوجه الوطني بقرار وطني مستقل ، بما يعيد بناء الثقة والمصداقية أمام الشعب والعالم على حد سواء .
كما ينبغي هنا اليوم توجيه دعوة واضحة لحركة حماس لمراجعة رؤيتها السياسية ولأشكال المقاومة ، والتوقف عن المغامرة غير المحسوبة رغم حق المقاومة العقلانية ، وعن ضرورة التوقف عن الاستمرار في أي مفاوضات منفردة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل خارج الإطار الوطني الموحد . فالمرجعية الرسمية والوحيدة لتنسيق الموقف الوطني الفلسطيني يجب ان تكمن في منظمة التحرير بتوازي استنهاضها وتفعيل دورها كجبهة وطنية عريضة ، بما يعزز الوحدة الوطنية ويضمن أن أي ترتيبات مستقبلية تعكس إرادة وطنية جامعة وأستكمال جهود تدويل القضية الوطنية بالمخافل الأممية والقضاء الدولي بعيدا عن الاحتكار الامريكي . وهذا يتطلب التنفيذ الفوري للتوافقات السابقة وفق جلسات الحوار الوطني لإعادة تفعيل العمل المشترك بين كافة الفصائل الفلسطينية بهدف توسيعها لتشمل كل مكونات شعبنا من المستقلين والمجتمع المدني والشبابي ، بما يضمن موقفا قويا وموحداً يستند الى وحدة الأرض والشعب والقضية والمقاومة الشعبية والسياسية والقانونية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية .
بهذه الخطوات ، يمكن للقيادة الفلسطينية الانتقال من موقف المتلقي إلى المبادر لرؤية وطنية حقيقية تحمي الحقوق الوطنية السياسية والسردية التاريخية لشعبنا ، وتضمن مستقبلا وطنيا مستقلاً ، بعيدا عن الضغوط الخارجية وحسابات الترجيح قصيرة المدى والنظر التي تعتمد فرضية سُكْون النظام الدولي أحادي القطب ، دون رؤية المتغيرات المتسارعة بالعالم رسميا وشعبيا خاصة مع صعود قوى الشرق والجنوب العالمي نحو نظام تعددي وانتفاضة الشعوب باوروبا وحتى بالولايات المتحدة نفسها وحتى بين الجاليات اليهودية فيها ، حتى لا نُلدغ من نفس الجُحر الأمريكي مرات عدة .