10:15 صباحًا / 18 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

مواسم تنطفئ بصمت ، بقلم : ناديه كيوان

مواسم تنطفئ بصمت ، بقلم : ناديه كيوان


كان أول درس في المدرسة بسيطًا: زرعنا بذرة، وانتظرنا الحصاد. لم نكن ندرك حينها أن هذا الدرس لم يكن مجرد تمرينٍ في حديقةٍ صغيرة، بل كان اختصارًا للحياة كلّها.


الحياة، في جوهرها، ليست أكثر من زراعة ورعاية وانتظار؛ نزرع فكرة أو حلمًا أو علاقة، نرويها بالوقت والصبر والاهتمام، ثم ننتظر أن تنضج لتعطينا ثمارها. لكن ما لم يخبرونا به في المدرسة هو أن ليس كل ما نزرع نحصد، وأن الأرض لا تمنحنا دائمًا ما توقعناه، وأن بعض البذور تختفي في عمق التراب بلا أثر، كأنها لم تكن.

“أحيانًا، لا تخوننا الحياة بقدر ما تفضح أوهامنا عنها” – همسات في منتصف الوعي


الدرس الأصعب لم يكن في الزراعة، بل في الانسحاب الصامت؛ أن تدرك أن الوقت قد حان لأن تترك الأرض تستريح، أن تتوقف عن حراثةٍ متعبة وسقيٍ لا يثمر. الانسحاب ليس هزيمة، بل حكمة من عرف أن الحقول لا تعطي دائمًا، وأن بعض الغلال ليست لنا مهما اجتهدنا.


كم من مرة انسحبنا بصمت من علاقة لم تنبت ثقة، من صداقة لم تنضج إلى وفاء، من حلمٍ سقيناه أعمارنا فلم يثمر سوى الخيبة؟ لم نصرخ، لم نعاتب، لم نطالب؛ اكتفينا بأن نغادر ونترك خلفنا أرضًا لم تعد تصلح للزراعة.


“نرحل بصمت، لا لأننا ضعفاء، بل لأن الصمت أكثر أناقة من ضجيج الانكسار” – همسات في منتصف الوعي
الانسحاب الصامت هو أرقى أشكال النضج، حين ندرك أن البقاء في أرضٍ قاحلة ليس إلا استنزافًا لأنفسنا. هو صوت داخلي يهمس: أنت لا تخسر، أنت تحمي قلبك من الانكسار المتكرر.


وهكذا، تظل معادلة الحياة كما لقّنتنا المدرسة: نزرع، ننتظر، نحصد… ثم ننسحب أحيانًا بصمت، حين نفهم أن ليس كل زرع يستحق موسم الحصاد.

شاهد أيضاً

الاحتلال يمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في دير عمار غرب رام الله

الاحتلال يمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في دير عمار غرب رام الله

شفا – منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في قرية …