
قراءة أدبية لكتاب ( بين الخطوة والنجمة ) للكاتبة رانية فؤاد مرجية ، بقلم : د. عادل جودة
معلومات أساسية
النوع الأدبي: رواية قصيرة / أدب عربي.
عدد الصفحات: حوالي ٩٠ صفحة.
المؤلّفة: رانية فؤاد مرجية.
موضوع الرواية كما هو موصوف:
تتناول الشخصيات التي فقدت الوطن أو الأهل أو الذات وتخوض رحلة داخلية بين الواقع والحلم الفقد والوصل، من خلال باب غامض.
الثيمات والمحاور
١ الفقد والحنين
الشخصيات في الرواية تعاني من فقد: فقد الوطن، الأهل، وربما الذات.
الفقد هنا ليس مجرد غياب، بل هو محفّز للصراع الداخلي وللبحث عن المعنى.
الحنين يظهر كشعور عميق يدفعهم للتأمل وإعادة بناء الذات.
٢ – الهوية والذات
كيف يجد الإنسان نفسه في ظل الخسارة؟ الرواية تطرح تساؤلات حول الهوية:
هل تُشكّلها الانتماءات (الوطن، الأسرة) أم التجربة الداخلية، أم العلاقات مع الآخرين؟ الرحلة إلى “الباب الغامض” يمكن أن تُفهم كرمز للبحث عن الذات المشوّشة والمجزّأة.
٣ – الألم كمدخل للنور
المفارقة/التناقض بين الفقد والأمل، بين الجرح والنور، هي محورية.
الرواية لا تكتفي بوصف الألم، بل تنقل فكرة أن الفقد يمكن أن يكون باباً نحو التغيير والنمو. هل يمكن أن يتحول الحزن إلى نور؟ هذا سؤال يتردد في العمل.
٤ اللقاء بين الناس الآخر
في الرواية ستّ شخصيات تتقاطع مصائرهم. هذا اللقاء ليس عرضياً: بل هو صلب الفكرة، لأن الآخر غالباً يكون مرآة يُرى فيها الذات، أو وسيلة للتطهير، للغفران، وربما للمصالحة.
٥ الرمزية والغموض
“الباب الغامض” رمز قوي — يربط بين الواقع والمتخيَّل بين ما نراه وما نريد أن نصل إليه.
النجمة التي يحاولون الوصول إليها ربما ترمز إلى الأمل، إلى الهدف، إلى الكمال أو إلى معنى أرقى للحياة رغم الصعوبات.
الأسلوب واللغة
اللغة تبدو تأملية شاعرية في بعض المقاطع، مضيفاً بعداً جميلاً من الصور والرموز.
السرد قد يمزج بين واقع ملموس وحلم أو تأملات داخلية، مما يجعل القارئ يعيش التجربة النفسية للشخصيات.
تستخدم الكاتبة التلميح والغموض:
لا كل شيء يُشرح صراحة
مما يترك مساحة للتأويل والتفكير.
نقاط قوة
قدرة النص على إثارة المشاعر: الحزن، الأمل، الحنين، الغفران.
وحدة الفكرة: ربما بالرغم من تعدّد الشخصيات، يبقى الهدف واحداً تقريباً — البحث عن معنى، عن انفتاح على الآخر، عن فهم الذات.
الرمزية التي تعطي عمقاً خارج حدود الزمن والمكان: إنسانية التجربة تتجاوز خصوصية الشخصيات.
نقاط تستحق النقد أو التساؤل
من الممكن أن بعض القراء يفضلون وضوحاً أكبر في الشخصيات أو الحوارات، بينما الرواية تميل إلى الرمزية والغموض، ما قد يربك البعض أو يشعرهم أن الأحداث “غير مكتملة”.
إلى أي مدى تكون النهاية مقنعة أو مُرضية: هل تُغلق الدائرة أم تترك الكثير معلقاً؟ هذا يتوقف على ذائقة القارئ فيما يخص الغموض.
الشخصيات الستّة: هل تُقدَّم كل شخصية بعمق كافٍ؟
في الأعمال التي تضمّة شخصيات متعددة، التوازن في التطرّق إلى كل شخصية مهم حتى لا تشعر بعض الشخصيات أنها “ظل” لشخصيات أخرى.
الانطباع العام
رواية جميلة، ذات طاقة تأملية قوية، تناقش مواضيع أساسية في حياة الإنسان: الفقد، الهوية، الغفران، الأمل. إذا كنت تميل للنصوص التي تجمع بين المشاهد النفسية والصور الرمزية، فستجد فيها قيمة كبيرة. هي دعوة للتوقف أمام الجرح، للنظر داخله، وربما للنظر من خلاله نحو نور أو نجمة تبعثر الظلال.
تأتي رواية «بين الخطوة والنجمة» لتؤكد أن الأدب الحقيقي ليس مجرد سرد أحداث متتابعة، بل محاولة لتجسيد القلق الإنساني وإعادة صياغة الوجود بأسلوب رمزي يمسّ الروح. فهي رواية قصيرة نسبيًا من حيث الحجم، لكنها واسعة المدى من حيث المعنى، إذ تنطلق من لحظة ضياع وفقد لتبني عالماً يوازن بين الجرح والأمل، بين الفقد والبحث عن خلاص.
تدور أحداث الرواية حول ست شخصيات تحمل جراحها الخاصة:
فقدوا الأوطان، أو الأهل، أو أنفسهم. كل شخصية تجسد جانبًا من التجربة الإنسانية، وكأن الكاتبة أرادت أن تضع أمام القارئ فسيفساء كاملة تمثل وجوه الألم الإنساني. هذه الشخصيات لا تلتقي اعتباطاً، بل يجمعها “باب غامض” يرمز إلى المجهول، أو إلى العتبة التي تفصل بين الواقع والمجاز، بين الأرضي والروحي، بين ما هو ملموس وما هو حلمي. الباب، في دلالته، ليس مجرد ممر مكاني، بل انتقال وجودي إنه سؤال: ماذا لو دخلنا جهة أخرى من الحياة، جهة لم نجرّبها بعد؟
العنوان نفسه «بين الخطوة والنجمة» يكثف هذه الرحلة الوجودية.
“الخطوة” تشير إلى الواقع القريب، إلى ما هو أرضي ومحدود، إلى مسيرة الحياة اليومية بما فيها من ثقل. أما “النجمة”، فهي الحلم، البعيد، النور الذي نهتدي به ولا نبلغه تماماً. بين الاثنين، المسافة المرهِقة التي تعيشها الشخصيات، مسافة القلق والبحث، حيث يمشي الإنسان مثقلاً بجراحه لكنه في الوقت نفسه لا يتخلى عن النظر إلى الأعلى، إلى نجمة أمل.
الكاتبة نجحت في تقديم ثنائية الحضور والغياب: فالشخصيات كلها موجودة جسدياً، لكنها تعيش غياباً داخلياً عميقاً.
الوطن غائب، الأهل غائبون، وحتى الذات متوارية خلف طبقات من الألم. لكن الغياب لم يُقدَّم كفراغ صامت، بل كمحرّك يجعل كل شخصية في حالة بحث دائم عن الآخر، عن معنى يمكن أن يُعيد لها توازنها. هكذا تتحول الرواية إلى رحلة نحو “المصالحة” مع الذات ومع الآخر، وإلى نوع من الاعتراف الجمعي بالجرح الإنساني.
من الناحية الأسلوبية، اتسمت لغة الرواية بقدر كبير من الشاعرية.
لا نجد سرداً تقريرياً بارداً، بل جُملاً تومض بالصور، وكأن الكاتبة تحوّل النص إلى مساحة شعرية أكثر من كونه رواية بالمعنى التقليدي.
هذا الأسلوب ينسجم مع الطابع الرمزي للعمل، إذ أن القارئ لا يبحث هنا عن تسلسل أحداث بقدر ما يغوص في طبقات المعنى. الغموض حاضر أيضاً، لكنه ليس غموضاً معيقاً، بل غموضاً مولداً للأسئلة، يترك للقارئ أن يفسّر الرموز على طريقته.
رمزية “الباب” و”النجمة” تتداخل مع رمزية الشخصيات ذاتها، فكل شخصية تحمل رمزيتها الخاصة.
قد تكون شخصية تمثل الفقد السياسي..
وأخرى تمثل الفقد الأسري وثالثة تعكس فقد الهوية الفردية. لكنها في النهاية تتلاقى جميعاً عند نقطة مركزية:
أن الألم يمكن أن يكون طريقاً للنور. هنا تكمن جرأة الرواية، فهي لا تقدم الحزن كمأساة مكتملة، بل كبوابة نحو التحول الداخلي.
من زاوية نقدية يمكن القول إن الرواية تنجح في خلق جو نفسي متماسك، وإن كانت قد تترك بعض القراء في حالة تساؤل بسبب كثافة الرموز وقلة التفاصيل الواقعية المباشرة. غير أن هذا هو جوهرها الجمالي:
أن تُبقي القارئ في منطقة ما بين التفسير والحلم تماماً كما الشخصيات العالقة بين الخطوة والنجمة.
الخلاصة
رواية «بين الخطوة والنجمة» نص أدبي قصير في حجمه، عميق في رؤيته، يجمع بين البعد الواقعي والرمزي، بين جراح الماضي وإشراقة الأمل. إنها دعوة للتأمل في معنى الفقد والهوية، وكيف يمكن للإنسان أن ينهض من جرحه ليرى نجمة في قلب العتمة. إنها ليست مجرد رواية تُقرأ، بل تجربة روحية تُعاش.