
الثورة الفلسطينية : من الانطلاقة إلى الاعتراف بدولة فلسطين ، بقلم : عمران الخطيب
على مدار أكثر من مئة عام من النضال التراكمي، خاض شعبنا الفلسطيني محطات متعددة من المقاومة والثورات، بدءًا من ثورة البراق، مرورًا بثورة المجاهد عز الدين القسام، وإضراب الستة أشهر، ثم ثورة القائد عبد القادر الحسيني ورفاقه، وصولًا إلى المقاومة الشعبية في قطاع غزة خلال أعوام 1954 و1956 إبّان العدوان الثلاثي على جمهورية مصر العربية.
وقد شكّلت ثورة 23 يوليو المجيدة في مصر، بقيادة الرئيس الخالد جمال عبد الناصر ورفاقه من الضباط الأحرار، مصدر إلهام للشباب الفلسطيني بعد نكبة 1948، ما أدى إلى انطلاق الحراك الشبابي الفلسطيني من قطاع غزة ومخيماته. وبدأت ملامح التنظيم السياسي بالتبلور من خلال رابطة الطلبة الفلسطينيين، التي تحوّلت لاحقًا إلى اتحاد طلبة فلسطين، وكان ذلك من أولى المبادرات التي قادها الشاب ياسر عرفات (رحمه الله) ورفاقه.
من رحم هذا الحراك، وُلدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، بجناحها العسكري “قوات العاصفة”، التي دشّنت الكفاح المسلح في الأول من يناير عام 1965. وجاء ذلك بعد عام من تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة المرحوم الأستاذ أحمد الشقيري، الذي وضع اللبنات الأولى للهوية الوطنية الفلسطينية من خلال المؤسسات التشريعية والتنفيذية للمنظمة.
تشكّلت حركة “فتح” من شباب فلسطينيين قدموا من خلفيات حزبية متعددة، منها الإخوان المسلمون، والبعث العربي الاشتراكي، والقوميون العرب، وحزب التحرير، لكنهم آثروا الانصهار في حركة وطنية واحدة، متخلّين عن انتماءاتهم الحزبية السابقة، لتكون “فتح” بمثابة الإطار الوطني الجامع.
وقد لعبت معركة الكرامة عام 1968 دورًا محوريًا في تاريخ الثورة الفلسطينية، حيث خاضت “فتح” والجيش العربي الأردني مواجهة مباشرة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في بلدة الكرامة الأردنية، واعتُبرت هذه المعركة أول انتصار عربي بعد هزيمة حزيران 1967. أعقبتها سيطرة حركة “فتح” على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، ما شكّل نقطة تحوّل في مسار الثورة.
مع توسع النشاط السياسي، افتتحت منظمة التحرير مكاتب تمثيلية في العديد من الدول العربية والإسلامية وبعض الدول الأوروبية، وأصبح الكفاح المسلح أحد مسارات النضال إلى جانب المسار السياسي والدبلوماسي.
وقد تُوج هذا التحول السياسي بالاعتراف الدولي المتزايد بـ منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني عام 1974 خلال إنعقاد القمة العربية في الرباط ورغم الحملات الممنهجة التي قادها العدو الصهيوني وبعض الجهات الإعلامية المضللة لتشويه صورة المنظمة وتقويض شرعيتها، استمرّت في تمثيل القضية الفلسطينية على الساحة الدولية. وخلال إنعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988
صدار إعلان إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وفقا لذلك شكل ذلك محطة مفصلية حيث تم الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة.
وفي عام 2012، تقدّم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بطلب عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، فحصلت على صفة دولة مراقبة غير عضو، حيث تم تصويت 138 دولة بدولة فلسطين عضوا مراقب في الأمم المتحدة وتم رفع علم فلسطين لأول مرة على مقر المنظمة الدولية، تبع ذلك انضمام دولة فلسطين إلى عشرات المنظمات الدولية.
واليوم، باتت 159 دولة تعترف بدولة فلسطين، من بينها فرنسا، بريطانيا، مالطا، كندا، أستراليا، وعدد من الدول الغربية الأخرى، وهو ما يشكل إنجازًا دبلوماسيًا مهمًا وركيزة أساسية على طريق إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
وبناءً على ذلك، فإن حماية المشروع الوطني الفلسطيني مسؤولية جماعية، وتتطلب تشكيل جبهة عربية دعم وإسناد لصمود شعبنا، الذي لا يزال يرزح تحت نير الاحتلال العنصري. وتصدي للمحاولات الرامية إلى تهجير شعبنا وتصفية القضية الفلسطينية .
إنه من الواجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تعترف بدولة فلسطين، وفقًا للقرارات الشرعية الدولية، لا سيما القرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. فإقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، لم يعد خيارًا، بل حتمية تاريخية لإنهاء هذا النفق المظلم الممتد منذ أكثر من سبعة عقود.
عمران الخطيب