11:43 صباحًا / 21 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

من أراد اقتلاع الفلسطينيين يقتلع نفسه ، الاحتلال يزرع الإبادة ويحصد الهجرة ، بقلم : محمد التاج

من أراد اقتلاع الفلسطينيين يقتلع نفسه: الاحتلال يزرع الإبادة ويحصد الهجرة ، بقلم : محمد التاج

بينما يسعى كيان الاحتلال بكل ما أوتي من أدوات القمع والقتل والتجويع إلى دفع الفلسطينيين نحو الرحيل، تتكشف المفارقة التاريخية على الأرض: الفلسطينيون صامدون رغم كل أشكال البطش، فيما موجات الهجرة تتسع داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه.

الإحصائيات الرسمية الصادرة عن “دائرة الإحصاء المركزية” الإسرائيلية تُظهر صورة مغايرة تماما للرواية التي يحاول الاحتلال تسويقها. فقد غادر إسرائيل خلال العام 2024 ما يقارب 82.800 إسرائيلي، ولم يعد منهم سوى نحو 24 ألفا فقط. هذا النزيف البشري لم يعد مجرد أرقام عابرة، بل تحول إلى أزمة حقيقية ضربت عمق المجتمع الاستيطاني، وأدت إلى تباطؤ النمو السكاني إلى حدود 1.1%، وهو أدنى معدل منذ سنوات طويلة.

المشهد الذي يعيشه الفلسطيني يوميا يختصر حقيقة المشروع الاستعماري الإستيطاني الصهيوني : حرب الإبادة المستمرة في ابشع صورها والتجويع في غزة، مصادرة الأراضي، توسع استيطاني محموم، اعتداءات المستوطنين، وقطع الطرق بالبوابات الحديدية، وحصار متواصل يهدف إلى تجويع وخنق الضفة الغربية. كل هذه الأدوات لم تنجح في كسر إرادة الفلسطيني أو دفعه إلى الرحيل، بل رسخت روح التحدي والثبات على الأرض.

في المقابل، يهرب المستوطنون من واقعهم. الحرب على غزة، الصواريخ التي تتساقط على المدن والمستوطنات، الاحتجاجات الداخلية، الانقسام السياسي، والأزمات الاقتصادية، كلها جعلت من “الحلم الإسرائيلي” عبئا خانقا على أبنائه. المئات من الأطباء والمهندسين وأصحاب الكفاءات يتركون البلاد بحثا عن أمان وفرص أفضل في أوروبا وأميركا وكندا، فيما تتزايد طلبات الهجرة إلى دول غربية بوتيرة غير مسبوقة.

المفارقة أن الكيان الذي تأسس على فكرة طرد السكان الأصليين وتوطين غرباء مكانهم، يجد نفسه اليوم أمام مشهد معكوس: الفلسطينيون متمسكون بجذورهم رغم الدم والخراب، بينما يتسرب المستوطنون من بين أصابعه. هذه ليست مجرد أرقام، بل مؤشر استراتيجي على أزمة وجودية تتفاقم، إذ لا يمكن لكيان استيطاني أن يصمد إذا بدأ سكانه يبحثون عن أوطان بديلة.


الفلسطيني متمسك بأرضه ليس مجرد تعلق بالمكان، بل ارتباط عميق بالهوية والتاريخ والجذور التي تمتد لآلاف السنين. الأرض بالنسبة له ليست سلعة يمكن تركها عند أول تهديد، بل إرث يحمله من الأجداد إلى الأبناء، ووسيلة لاستمرار الثقافة والحياة الوطنية. رغم الحصار، القصف، التجويع، مصادرة الأراضي، وقطع الطرق، يختار الفلسطيني الصمود لأن الرحيل يعني فقدان التاريخ، اللغة، الذاكرة والجذور التي تربطه بالأرض. أما المستوطن، فقد زرع في قلبه وهم السيطرة على أرض ليست أصله، ويعتبر معاناته أزمة مؤقتة يمكن حلها بالهجرة والبحث عن ملاذ آمن، فلا يحمل بين يديه إرثا يمتد لقرون، ولا تاريخا يربطه بالمكان، ولا واجبا أخلاقيا تجاه الأرض نفسها، ولذلك فإن مغادرته أسهل بكثير من الفلسطيني الذي يرفض أن يصبح لاجئا أو يختفي من خرائط وطنه.

إن معركة الفلسطيني اليوم ليست فقط ضد آلة عسكرية تسعى للقتل، بل ضد مشروع كامل أراد تحويله إلى لاجئ جديد. لكن صموده، مقابل هجرة المستوطنين، يثبت أن البقاء للأصل على الأرض، وأن الاحتلال مهما حاول، لا يستطيع أن يصنع جذورا من خوف، ولا أن يخلق هوية من هروب.

شاهد أيضاً

لجنة الصحة والسلامة العامة في محافظة سلفيت تنفذ سلسلة زيارات تفقدية لمعاصر الزيتون

لجنة الصحة والسلامة العامة في محافظة سلفيت تنفذ سلسلة زيارات تفقدية لمعاصر الزيتون

شفا – بتوجيهات من محافظ سلفيت مصطفى طقاطقة، نفذت لجنة الصحة والسلامة العامة في المحافظة، …