
قمة الدوحة ، قطر تربح الصورة وغزة تحترق بانتظار الفعل ، بقلم : مروان إميل طوباسي
انعقدت القمة العربية – الإسلامية الطارئة في الدوحة بعد العدوان الإسرائيلي على الأراضي القطرية ، لتمنح الدوحة فرصة ثمينة لتكريس حضورها الإقليمي كوسيط محوري ، لكنها لم تغيّر شيئاً في جوهر المأساة الفلسطينية الجارية . قطر ربحت الصورة والمكانة ، أما فلسطين فما زالت تنتظر الفعل وهي تحترق .
القمة أظهرت قدرة قطر على تحويل الأزمة إلى رصيد دبلوماسي عبر ثلاثة مسارات أساسية تتمثل في ، تثبيت دورها كوسيط في ملفات غزة والأسرى بغطاء عربي–إسلامي ، تحويل الاعتداء الإسرائيلي إلى فرصة لتعزيز مكانتها كلاعب إقليمي لا يمكن تجاوزه ، وإبراز قيادتها في لحظة تراجع قوى عربية تقليدية . غير أن هذه النجاحات بقيت في حدود الرمز والصورة ، لا في مستوى تغيير قواعد الصراع .
أما فلسطين ، فقد حضرت في الخطاب أكثر من الفعل ، البيان الختامي اكتفى بدعم لفظي وشجب عام ، دون أي إجراءات عملية لحماية الشعب الفلسطيني أو مواجهة الأحتلال ومشروعه المتدحرج في تنفيذ واقع “اسرائيل الكبرى” . لم يُطرح حتى تحرك حيوي كطلب نقل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى جنيف لمواجهة الفيتو الأميركي ضد حضور القيادة الفلسطينية ، او التفكير بالحد الأدنى لتحشيد الدعم لفكر تجميد عضوية اسراىيل في الجمعية العامة لهيئة الأمم ، كما غاب تماماً ملف التطبيع مع إسرائيل ، فلم يُوجّه أي تحذير للدول الموقعة على اتفاقيات مع دولة الأحتلال . هذا الصمت المقصود تحت ذريعة ” تجنب انقسام الموقف” ، إلا أنه كشف أيضاً عن ازدواجية المعايير ، إدانة الأعتداء على قطر ، وتجاهل أحتراق قلب فلسطين .
لم يطل الوقت حتى جاءت الرسالة الإسرائيلية–الأميركية المقابلة ، فقد زار وزير الخارجية الأميركي روبيو إسرائيل فور انتهاء القمة ، ليمنح الأحتلال غطاءً سياسياً قبل أن يتوجه إلى الدوحة متقمصاً دور الوسيط . بالتوازي ، أعلنت حكومة الأحتلال الفاشي استكمال هجومها البري على غزة ، لتقول بوضوح ، أن الميدان يسبق أي دبلوماسية . هكذا تحترق غزة تحت سياسة الأرض المحروقة ، بينما تُباع دماء الفلسطينيين كورقة في مفاوضات أميركية–إسرائيلية مكشوفة .
اليوم المشهد يكشف معادلة قاسية ، واشنطن وتل أبيب تتقاسمان الأدوار ، الأولى تضبط الخطاب السياسي وتوزع وعود الوساطة ، والثانية تنفذ على الأرض مشروع الإبادة والاقتلاع . أما القمم العربية–الإسلامية، فتبقى رهينة البيانات الرمزية ، عاجزة عن تحويل الغضب إلى فعل .
أن قمة الدوحة منحت قطر مكسباً إعلامياً ودبلوماسياً ، لكنها لم تضع فلسطين في قلب جدول الأولويات الذي يستدعي حماية شعبنا وأرضنا . غزة ما زالت تحترق والأستيطان والضم يأكل الارض ، ليس فقط بنيران الطائرات والدبابات والمدافع وأرهاب الدولة والمستوطتنين ، بل أيضاً بصمت المجتمع الدولي الرسمي وعجز النظام العربي.
وما لم يتحول هذا الصمت إلى فعلٍ ضاغط يوقف الابادة والتجويع ويفرض مساءلة وعقوبات ومقاطعة ولغة خشنة على الاقل ، ستبقى إسرائيل تفرض معادلتها ، نار على الأرض ، ووساطة كاذبة على الطاولة بشراكة مع البيت الأبيض .
المفارقة أن قمة الدوحة ، برغم ما حملته من نوايا معلنة لدعم غزة، لم تُترجم إلى موقف عملي يوقف جرائم العدوان أو يردع إسرائيل . بل على العكس ، استغلت حكومة الأحتلال نتائج القمة لتؤكد أمام الداخل الإسرائيلي وأمام حلفائها أن “لا أحد يستطيع أن يوقفنا”، وأن العرب والعالم سيكتفون بالبيانات ، فيما تُحرق غزة على مرأى الجميع .
ما يجري اليوم ليس صراعاً عسكرياً محدوداً ، بل عملية مركبة تستهدف تفكيك غزة وتصفية القضية الوطنية التحررية لشعبنا ولا أحد من شعبنا سيكون في مأمن من ذلك المخطط . فإلى جانب الإبادة والتهجير ، هناك هدف أبعد يتمثل في إعادة صياغة المشهد الفلسطيني الداخلي بما يخدم أجندة إسرائيل وحلفائها . وهنا يصبح الحريق في غزة جزءاً من معركة أوسع ، تمتد من ميادين القتال إلى قاعات التفاوض .
إن اللحظة الراهنة تكشف بوضوح ، انه لا يمكن الرهان على الوساطات الأميركية المزعومة ، ولا على قمم عربية بلا أدوات ضغط حقيقية . وحدها إرادة الشعوب ، وحركة تضامن دولية متصاعدة ومؤثرة على صناعة القرار السياسي بالغرب بترجمة نوايا الإعتراف بدولة فلسطين الى أجراءات تقوض الى وقف جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وإنهاء الأحتلال أولاً ، وقادرة على قلب المعادلة وفرض مسار جديد لا يقوم على استجداء العدالة ، بل على أنتزاعها .