
سردية الاحتلال ومحاولة شطب الهوية الفلسطينية ، بقلم : محمد علوش
لم يكن المشروع الصهيوني منذ نشأته مجرد غزو عسكري يستهدف السيطرة على الأرض، بل هو مشروع استيطاني – استعماري – إحلالي يقوم على سردية زائفة، تحاول طمس الرواية الفلسطينية الإنسانية والحضارية والتاريخية، وإحلال رواية مصطنعة تسعى إلى شرعنة اغتصاب الأرض الفلسطينية، وشطب وجود الشعب الفلسطيني من الخريطة السياسية والثقافية.
فإسرائيل – القاعدة العسكرية الامبريالية والكيان القائم بالاحتلال، لم تكتفِ بالعدوان العسكري والقتل الممنهج وسياسات التطهير العرقي، بل عملت على هندسة الوعي وتزوير التاريخ، وقامت ببناء خطابها على أساطير توراتية مشوهة، وسعت إلى إقناع العالم بأن فلسطين “أرض بلا شعب”، بينما الحقيقة التي تشهد عليها آلاف السنين تؤكد أن فلسطين كانت وما تزال وطناً حياً للشعب الفلسطيني، بجذوره الحضارية العميقة، وتراكماته الثقافية التي أسهمت في صياغة جزء أصيل من التراث الإنساني العالمي.
هذه السردية الإسرائيلية لا تقف عند حدود الماضي المزور، بل تمتد إلى الحاضر عبر محاولات منهجية لمحو الثقافة الفلسطينية وتذويب الهوية الوطنية، وتدمير الرموز والمعالم الدالة على عمق وجودنا في هذه الأرض، فمن مصادرة الكتب والمخطوطات، إلى استهداف المؤسسات الثقافية والتعليمية، مروراً بطمس المعالم الأثرية وتزييف هويتها، ووصولاً إلى محاولات نسب المأكولات والأزياء الشعبية إلى ما يسمى “التراث الإسرائيلي”، تتضح ملامح مشروع يهدف إلى اقتلاع الذاكرة الجمعية لشعب بأكمله.
غير أن الرواية الفلسطينية في جوهرها لم تكن يوماً مجرد رد على سردية زائفة، بل هي فعل مقاومة متجدد يحمل قصة شعب لم ينكسر رغم النكبات والمجازر والحصار، وهذه الرواية تنبع من حقائق الأرض والإنسان، من شجرة الزيتون التي تصمد أمام الجرافات، ومن القرى والمدن التي تنهض من تحت الركام لتبنى من جديد، ومن الأغاني الشعبية التي ظلّت تحفظ الذاكرة وتورثها من جيل إلى جيل.
إن ما يسعى الاحتلال إلى إخفائه أو تذويبه هو أن الشعب الفلسطيني، بحضارته العريقة وحقوقه الوطنية العادلة، هو الحقيقة الثابتة في هذه الأرض، وكل محاولات الطمس والتزوير لم ولن تنجح أمام إرادة شعب متمسك بحقوقه المشروعة، العودة، وتقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
لقد أثبت التاريخ أن السلاح قد يفرض واقعاً مؤقتاً، لكنه لا يستطيع أن يمحو الذاكرة أو يلغي الهوية، فالرواية الفلسطينية ليست خطاباً سياسياً عابراً، بل جزء من مسار التاريخ ونداء العدالة الإنسانية، وهنا تتضاعف مسؤوليتنا، أن نصون روايتنا، ونرسخها في الوعي الجمعي، ونوصلها إلى العالم بصوت واحد يعبر عن حقنا ووجودنا، فالرواية الفلسطينية ليست ترفاً ولا خياراً، بل هي معركة وجود، وجدار الصد الأول في مواجهة الاحتلال ومخططاته البائسة لتزوير التاريخ وتدمير الهوية.