12:03 مساءً / 1 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة نقدية وجدانية لنصّ ماجدة الريماوي ، بقلم : رانية مرجية

قراءة نقدية وجدانية لنصّ ماجدة الريماوي ، بقلم : رانية مرجية

مدخل: النص بين ثِقل الرصاصة وخفّة الجسد

منذ السطر الأول يضعنا النص في مواجهة معادلة دامية: «وَزْنٌ لِكلِّ رَصَاصَةٍ، لَا وَزْنَ للجَسدِ النَّحيل». هنا يبرز التناقض الموجع بين عنف الحديد وهشاشة الجسد الفلسطيني. ليس الجسد هو الذي يُقاس، بل الرصاصة؛ وكأننا أمام ميزان قاسٍ للزمن، ميزان يضعنا أمام سؤال: أيّهما أبقى أثرًا في التاريخ، الدم أم السلاح؟

البنية الدينية – موسى بين الوادي المقدّس والمدنّس

يلجأ النص إلى استدعاء موسى، ليس كرمز ديني فحسب، بل كحضور تاريخي يُحاكم واقعنا. إذ يقال له: «يا موسى العليل، قد غِبت عنهم أربعين من الليالي… فأُعجبوا بالعجل». المقارنة بين غياب موسى عن قومه وغياب القائد عن أمته تفضح الضعف الإنساني حين يُفتَن بالعجلات الزائفة بدل أن يتمسّك بالرسالة. هنا يتكشّف السؤال: هل التاريخ يعيد نفسه أم نحن الذين نعيد مأساة الارتحال الدائم؟

لكن النص لا يكتفي بتوبيخ الماضي، بل يحاور موسى في الحاضر: «هنا، هلّا خلعت النعل في الوادي المقدّس (والمدنّس)». هذه الجملة تجرّد القداسة من بعدها المجرّد وتدخلها في واقع ملوّث بالدماء والمجازر، حيث لا يبقى الوادي طاهرًا، بل مختلطًا بالرذيلة والخذلان.

المجازر المتوالدة – الشهداء سنابل ذهبية

من أجمل الصور في النص صورة الشهداء الذين «يتساقطون سنابل ذهبية». هنا يتحوّل الموت من حدث فردي إلى حصاد جماعي، إلى موسم دم يتكرر، يخصب الأرض بالدماء لا بالقمح. ومع ذلك، يصرّ النص على أنّ الدم يفتح مساحة أوسع من كل مَن يحاول الالتجاء إلى «سِلم الثّرثرة»، أي أولئك الذين يبيعون الكلام بدل الفعل.

البنية الإيقاعية – التكرار والنداء

يتكرّر نداء «يا موسى» على امتداد النص كجرس داخلي يذكّرنا بأن المخاطب غائبٌ حاضر. التكرار يخلق إيقاعًا أشبه بالرثاء، لكنه أيضًا محاكمة مفتوحة: إلى من نوجّه عتابنا؟ إلى موسى التاريخي، إلى القادة الذين غابوا، أم إلى شعوب رضخت للصمت؟

التأويل السياسي – القاتل هو المقتول

في المقطع الأخير يلتفت النص إلى مفارقة دامية: «قَدْ يَبْدو انْتِحاراً، بَلْ تَقْرُبُ الأَقْوالُ مِنْ أَنَّ الْقَتِيلَ هُوَ اشْتِبَاهُ الْقَاتِلِ». إنها قراءة جذرية للواقع الذي يلتبس فيه الحق بالباطل، حيث يُشوَّه الضحية لتُبرَّأ يد الجلاد. هنا النص لا يتحدث عن واقعة محدّدة، بل عن آلية كاملة للتأويل الإعلامي والسياسي التي تحوّل الدم المسفوك إلى خطأ في التفسير.

جدلية الموت والسلام

يُختتم النص بمفارقة وجودية: «الكلّ أسود، والسّلام على سلام، يا كليم الله، ليس يحترف البديل». كأنّ الشاعرة تقول إن السلام الحقيقي لم يعد له بديل، لكنه سلام مفقود في واقع كلّه ظلام. فالسلام هنا ليس شعارًا سياسيًا، بل غيابًا وجوديًا.

خاتمة: بين النداء والصرخة

نص ماجدة الريماوي ليس مجرد قصيدة، بل هو صرخة متكاملة تحمل في طياتها جدل التاريخ والدين والسياسة والدم الإنساني. إنها كتابة تستحضر الأنبياء لا لتبارك الماضي، بل لتدين الحاضر، وتستحضر الشهداء لا لتُجمّل موتهم، بل لتكشف قسوة مجازر تُعاد بلا نهاية.

النص يتجاوز حدود الشعر ليصبح شهادة، والقراءة فيه ليست تحليلًا فحسب، بل مشاركة في صرخة كبرى ضد صمتٍ يلتهم كل شيء. إنه نص يليق بالنشر في صحيفة عالمية لأنه لا ينغلق على محليّته، بل يقدّم مأساة تُفهم في أي مكان، حين يتحوّل الجسد إلى ميزان والرصاصة إلى معيار للزمن .

وَزْنٌ لِكلِّ رَصَاصَةٍ، لَا وَزْنَ للجَسدِ النَّحيلْ
وَالمَوْتُ مَمْلوءُ الْجَسدْ
والبابُ أَوسعُ مِنْ عُيونٍ ساجداتٍ
لَمْ ترَ الظِّلَّ الدَّخيلْ
والوقتُ فَجْراً
والدُّروبُ إِليْهِ سالِكَةٌ
بِموْتٍ، أَوْ وِسام ٍ أَوْ شَهيدٍ
مِنْ حَيْثُ مَا انْتَصَبَ الْخَليلْ.
وأَقولُ: يا مُوسى الْعَليلْ:
قَدْ غِبْتَ عَنْهُمْ أَرْبَعِينَ مِنَ اللَّياليْ
فَأُعْجِبوا بِالْعِجْلِ، أَصْبَحْتَ
هُزْءَ الْمَغْفِرَةْ
والْآنَ لَنْ تَأْتي، فَساحُوا
كُلَّ يَوْم ٍ مَجْزَرَةْ.
يَتَكَاثَرُ الشُّهَدَاءُ إِذْ يَتَساقَطونَ
سَنابِلَ ذَهَبِيَّةَ الْأَعْرَافِ
ما عَرَفُوا سِوى جُرْحٍ تَجَلَّوْا فيهِ
فَوْقَ بُحَيْرَةٍ حَمْراءَ مِنْ دَمِهمْ
فَيا دَمَهُمْ يُوَسِّعُ بَيْنَ مَنْ سَقَطُوا
ولاذُوا السِّلْمَ سِلْمَ الثَّرْثَرَةْ.
يَتَمَدَّدُ الْحُزْنُ الَّذي سَبَقَ الرَّصَاصَ
إِلى الطُّفُولَة: خَمْسُونَ؟ أَمْ سَبْعُونَ؟
أَمْ تِسْعُونَ؟ مِمَّا لا تُرَدُّ الْأَرْضُ مَوْتاً
في سُهولَة! لَا أَرْتَقي الْأَعْدادَ
سِلْسِلَةً طَويلَةْ.
وأَقُولُ: يَا موسَى: هُنا، هَلَّا خَلَعْتَ
النَّعْلَ في الْوَادِي الْمُقَدَّس ِ
(وَالْمُدَنَّسِ)
لِتَهْوِيَ فيهِ على رُؤُوس ِ مَنْ ضَلُّوا
ومَنْ ظَلُّوا، وكَأَنَّهُمْ رَهَائنُ
(قَسْوَرَةْ).
ماذَا على الْأَعْقَابِ يَنْتَظِرُ الْقَتيلْ؟
عُذْراً لِزَاوِيَةِ الْجُرُوحِ
على النَّواحِ الْمُقْبِلِ، طَعْناً
لِحَادِثَةِ الْحَوَادِثِ فِي الْمَقَام ِ الْقَابِلِ
لِلشَّكِّ والتَّأْويلِ والتَّحْريفْ
قَدْ يَبْدو انْتِحاراً، في خَريفِ الْعُمْرِ
بَلْ تَقْرُبُ الْأَقْوَالُ مِنْ أَنَّ الْقَتِيلَ
هُوَ اشْتِبَاهُ الْقَاتِلِ! هَلْ هَذهِ مِمَّا عَلَّمْتَ
يا موسَى، فَكَذَّبُوكَ فِعالَهُمْ؟
أَمْ هَذهِ مِمَّا رَأَيْتَ، فَخَطَّأوكَ
مَشَاهِداً كَانَتْ لَهُمْ؟
ولِمَنْ تَرَكْتَ نِبالَهُمْ، فينا مَغارِزُها
تَدُورُ كَأَنَّها اللَّيْلُ الطَّويلْ.
وأَقُولُ: يا موسَى، كَليمَ اللهِ:
سُجَدَنَا، أُريقُوا بَيْنَ أَيْدِي اللهِ
ما قَاموا لِثَرْثَرَةِ الدَّلِيلْ.
وأُضِيفُ: يا موسَى، وَمُوسَى
حَوْلَ دَائِرَةِ الرِّقَابْ:
ماذَا علَ الْأَعْقَابِ يَنْتَظِرُ
الْمُقَاتِلُ وَالْقَتِيلْ؟
الْكُلُّ أَسْوَدُ، وَالسَّلَامُ عَلَى سَلام ٍ
يا كَليمَ اللهِ،
لَيْسَ يَحْتَرِفُ الْبَدِيلْ.

ماجده الريماوي

شاهد أيضاً

اغلاق 17 مدرسة بتل أبيب ومئات الطلبة يتظاهرون مطالبين بصفقة تبادل

شفا – تظاهر مئات الطلبة الإسرائيليين، اليوم الإثنين، تزامنًا مع انطلاق العام الدراسي، للمطالبة باستعادة …