2:22 مساءً / 22 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

مرسوم الرئيس عباس لفتح باب الديمقراطية : اختبار الفصائل والفرصة التاريخية للدولة الفلسطينية ، بقلم : المهندس غسان جابر

مرسوم الرئيس عباس لفتح باب الديمقراطية : اختبار الفصائل والفرصة التاريخية للدولة الفلسطينية ، بقلم : المهندس غسان جابر

في التاريخ الفلسطيني لحظات فاصلة لا تُنسى. عام 1948 حين سقطت المدن، لم يكن السؤال فقط عن الأرض، بل عن من يمثل الفلسطينيين بعد أن صاروا لاجئين في كل صوب. في 1964، حين وُلدت منظمة التحرير الفلسطينية، لم تكن مجرد مؤسسة بل إعلان عودة الصوت الوطني إلى المسرح العالمي. وفي 1974، حين وقف ياسر عرفات في الأمم المتحدة وقال عبارته الشهيرة: “جئتكم بغصن الزيتون وببندقية الثائر”، كان يعيد صياغة الشرعية الفلسطينية بلغة العالم.

منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، ظل جوهر المسألة الفلسطينية مرتبطًا بمعادلة واحدة: الشرعية. الشرعية في المقاومة، ثم الشرعية في التفاوض، ثم الشرعية في السلطة. لكن مع الزمن، ومع الانقسام منذ 2007، ومع تعطّل الانتخابات، أصبحت الشرعية موزعة وممزقة. الكل يرفع راية “تمثيل الشعب”، لكن الشعب لم يُسأل منذ سنوات طويلة: من يريد أن يمثله؟

المرسوم الرئاسي الأخير بتشكيل لجنة صياغة الدستور المؤقت ليس إجراءً بروتوكوليًا. إنه إعلان سياسي استراتيجي: فتح الباب أمام الديمقراطية، وإعادة إحياء مشروع الدولة الفلسطينية، حتى قبل أن تنتهي الحرب على غزة أو يحصل أي انسحاب محتمل للاحتلال. السؤال الآن: هل الفصائل الفلسطينية جاهزة للاستجابة، أم أن المناكفات السياسية ستُضيّع الفرصة كما في الماضي؟

اللجنة التي شُكّلت تضم خبرات قانونية وسياسية وشخصيات مجتمع مدني، وهو مؤشر على أن المرحلة القادمة تحتاج إلى شراكة حقيقية، لا محاولات لتجاوز الواقع أو إخفائه وراء شعارات رنانة. فهي ليست مجرد لجنة صياغة نصوص، بل بوابة لعقد اجتماعي جديد يعيد الشرعية إلى الشعب ويضعه في قلب العملية السياسية.

لكن التجربة الفلسطينية مع الفرص التاريخية ليست مطمئنة. كم مرة أُهدر الوقت بسبب الانقسامات والمناكفات؟ هل سنعيد إنتاج المشهد كما حدث في كامب ديفيد 2000، حين عُرضت تسوية ناقصة تُبقي الفلسطينيين في كانتونات بلا سيادة، فرفض عرفات أن يوقّع على شهادة وفاته الوطنية؟ العالم كتب على ذلك “فرصة ضائعة”، بينما الحقيقة أنها لم تكن فرصة على الإطلاق، بل فخ سياسي أراد أن يُقفل أي أفق حقيقي أمام الفلسطينيين.

الفصائل التي طالما رفعت شعارات الديمقراطية والتمثيل اليوم ترتجف أمام أول اختبار حقيقي لها. بعضها يخشى أن تكشف صناديق الاقتراع حجمه الهش، وبعضها الآخر يراهن على المناكفة السياسية، كأن الشعب الفلسطيني ليس في قلب المعركة، وكأن صندوق الاقتراع مجرد شعار يُرفع في الخطابات. إنهم يفضلون معارك البيانات على مواجهة الواقع، بينما العالم يراقب، والعدوان مستمر، والوقت ينفد بسرعة.

المشهد الإقليمي والدولي يعزز هذه اللحظة: السعودية تربط أي تسوية مستقبلية بدولة فلسطينية حقيقية وموحَّدة، وفرنسا تحاول توفير غطاء دبلوماسي لإعادة الصوت الفلسطيني إلى الطاولة الدولية. هذه إشارات واضحة أن اللحظة مناسبة لإعادة بناء الشرعية الداخلية. الفرصة أمام الفصائل اليوم: إما المشاركة بجدية وكتابة الفصل الأول من الدولة الفلسطينية، أو أن تضيع مرة أخرى، تاركة الشعب في قلب الأزمة والانقسام محتدم، والعدوان مستمر، والزمن ينفد بسرعة.

التاريخ يعلمنا أن اللحظات الكبرى لا تعود مرتين. الفلسطينيون اليوم يقفون على أعتاب خيار حاسم: إما أن يتحول المرسوم إلى بداية عقد اجتماعي جديد يضع الشعب في موقع صاحب القرار، أو أن يُضاف إلى سجل طويل من القرارات المؤجلة والفرص المفقودة. الديمقراطية ليست ترفًا، بل هي الشرعية الوحيدة التي يمكن أن تضع الفلسطينيين على خريطة المستقبل.

  • – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.

شاهد أيضاً

الرئيس شي يعتزم حضور قمة منظمة شانغهاي للتعاون في تيانجين واستضافة فعاليات ذات صلة

شفا – يعتزم الرئيس الصيني شي جين بينغ حضور قمة منظمة شانغهاي للتعاون 2025، التي …