7:09 مساءً / 21 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

من زنزانة الأمس إلى صرخة اليوم : الحرية لعلي سمودي ، بقلم : محمد التاج

من زنزانة الأمس إلى صرخة اليوم : الحرية لعلي سمودي ، بقلم : محمد التاج

من زنزانة الأمس إلى صرخة اليوم: الحرية لعلي سمودي ، بقلم : محمد التاج

حين كنت في زنازين الاحتلال، بعيدا عن أهلي وناسي، كان هناك صوت يلاحق قضبان السجن ويصل إلي رغم كل محاولات العزل والتكميم. ذلك الصوت لم يكن سوى صوت صديقي الصحفي علي سمودي، الذي لم يتوان يوما عن نشر معاناتي ومعاناة رفاقي الأسرى، ولم يترك مساحة إلا وكتب فيها عن وجعنا خلف القضبان. كنت أقرأ اسمي بين عناوين مقالاته في الصحف، وأشعر أنني لست وحدي، وأن هناك من يحمل قضيتي إلى العالم.

وبعد أن خرجت إلى هواء الحرية المقيد، أجد اليوم أن علي سمودي نفسه أصبح أسيرا يواجه قسوة السجون وإهمالها الطبي، وأن صوته الذي دافع عنا طويلا بات يحتاج إلى من يدافع عنه. إنها مفارقة موجعة أن يتحول حامل القلم والميكروفون إلى ضحيةٍ لمقصلة الاحتلال، وأن يحرم من الدواء والغذاء بينما جسده المثخن بالجراح يصرخ ألما.

لقد عرفت علي سمودي منذ سنوات طويلة. عرفته صحفيا ميدانيا لا يكل ولا يمل من مطاردة الحقيقة وسط رصاص الاحتلال واقتحاماته. لم يكن يكتفي بنقل الخبر، بل كان يعي أن دوره شهادة للتاريخ وصرخة في وجه التعتيم. أصيب مرات عديدة، وما زال جسده يحمل شظايا ورصاصا شاهدا على استهدافه المتكرر. لكنه لم ينكسر، وبقي مخلصا للحقيقة حتى وهو ينزف.

أبرز محطات حياته المهنية ستبقى مرتبطة بجريمة اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة في أيار/مايو 2022، حيث كان إلى جوارها لحظة استهدافها، وأصيب برصاصة مباشرة في ظهره. ورغم الألم، ظل شاهدا على الجريمة، شاهدا على رواية الحقيقة التي حاول الاحتلال طمسها. اليوم، الاحتلال يواصل استهدافه مجددا، لأنه يعرف أن علي سمودي ليس مجرد صحفي، بل شاهد رئيسي على واحدة من أبشع الجرائم.

في نيسان/أبريل الماضي، حين داهمت قوات الاحتلال منزله بجنين واعتقلته بعد تخريب محتوياته، منعت عنه دواءه رغم معاناته من أمراض مزمنة: السكري، ضغط الدم. ثم عذب ونقل بين مراكز التحقيق والسجون في ظروف مهينة، قبل أن يحول إلى الاعتقال الإداري دون أي تهمة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي. والآن، يقبع علي في زنزانة ضيقة، يحرم من العلاج والغذاء، وتتناقص صحته يوما بعد يوم، فيما وزنه يتهاوى ورؤيته تتراجع.

إن ما يتعرض له علي سمودي ليس حالة فردية. بل هو جزء من سياسة ممنهجة تستهدف الصحفيين الفلسطينيين بالقتل والاعتقال والإصابة. فمنذ أكتوبر 2023، اعتقل الاحتلال نحو 150 صحفيا فلسطينيا، معظمهم بلا لوائح اتهام. الهدف واضح: إسكات الصوت الحر وكتم الحقيقة.

بالنسبة لي، علي سمودي ليس مجرد صديق أو صحفي زميل. إنه جزء من ذاكرة الأسرى ومن وجدان الحرية الفلسطينية. حين كنت أسيرا، حمل عني أمانة الكلمة، واليوم وقد أصبح هو الأسير، أجد لزاما علي أن أحمل صوته وأدافع عنه. الوفاء لا يقاس بالكلمات وحدها، بل بالفعل والموقف.

إن حكومة الاحتلال تتحمل كامل المسؤولية عن حياة علي سمودي، وإننا مدعوين جميعا، نقابة الصحفيين والاتحاد الدولي للصحفيين وسائر المؤسسات الحقوقية إلى التحرك العاجل من أجل الإفراج عنه وتوفير الحماية لكل الصحفيين الفلسطينيين. فالقلم الذي يواجه الرصاص لا يجب أن يكسر في الزنازين، والصوت الذي ناصر الأسرى لا يجوز أن يختنق بصمت العالم.

علي سمودي اليوم هو عنوان المرحلة، كما كانت شيرين أبو عاقلة عنوانا للصدق والشجاعة. الدفاع عنه ليس تضامنا فرديا، بل هو دفاع عن حرية الصحافة، عن حقنا في الكلمة، عن حقنا في الحياة.

من زنزانة الأمس إلى صرخة اليوم، أرفع صوتي لأقول: الحرية لعلي سمودي، الحرية لكل الأسرى، والحرية لفلسطين.

شاهد أيضاً

21 دولة تدين مخطط E1 الاستعماري : يشكّل انتهاكا للقانون الدولي

21 دولة تدين مخطط E1 الاستعماري : يشكّل انتهاكا للقانون الدولي

شفا – قالت 21 دولة بينها المملكة المتحدة وفرنسا في بيان مشترك، اليوم الخميس، إن …