
“من ينهق يَعبر… من ينطق يُحاصر” بقلم : قمر عبد الرحمن
في غزة، الحمير تسافر إلى فرنسا لتحيا حرة، والإنسان يبقى ليحفظ لها ذكرياتها عن الحصار. العالم يحنو على ظهور الدواب، ويترك ظهور البشر للركل. يبدو أن الحرية هذه الأيام تُمنح لمن ينهق، وتُحجب عمن ينطق.
على متن الشاحنات المهيأة للسفر البعيد، كانت الحمير من غزة تشد أنفاسها نحو فرنسا، محمولة على وعود الحرية والرحمة، كما لو أن الكون قد التفت أخيرًا لآلامها الصامتة. كانت العيون البنية الواسعة تحدّق في المدى، لا تدري أن وراء البحر تنتظرها مروج خضراء وأيادٍ تمسح على ظهورها بلطف.
وفي الجهة الأخرى، على الأرض ذاتها التي يغادرونها، كان الإنسان يختنق في زوايا الحصار، يبيع حلمه برغيف خبز، ويمشي على ركام المدن التي صارت أسماءها مرادفًا للفقد. تُفتح الأبواب للدواب، وتُغلق على البشر، كما لو أن المعادلة قد انقلبت، وصار للخرس الحق في الصهيل، ولمن يتكلم الحق في الصمت الإجباري.
في مشهدٍ ساخر من قسوة القدر، تسافر الحمير طلبًا للكرامة، ويُترك الإنسان يتسول فتات كرامته عند الحواجز. وكأن العالم يريد أن يثبت أنه قادر على صناعة عدالة انتقائية، عدالة تتجاهل أن أعمق جرح ليس في ظهر الحمار من أثر السوط، بل في صدر الإنسان من أثر النسيان.
قمر عبد الرحمن