
الضوء الأخضر من ترامب لإسرائيل ، بين ضغط على حماس ومجازر بحق شعب أعزل ، بقلم : علاء عاشور
منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر 2023، والعالم يقف مذهولًا أمام حجم الدمار والمآسي التي حلت بشعب محاصر منذ أكثر من عقد ونصف، محكوم عليه بالموت البطيء تحت الحصار، أو بالإبادة السريعة تحت وابل القنابل. لكن اليوم، وبعد التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي تضمنت ضوءًا أخضر ضمنيًا لإسرائيل لاجتياح كامل قطاع غزة، يقف المراقب السياسي أمام سؤال وجودي: هل نحن أمام سيناريو ضغط سياسي جديد يهدف لتركيع حماس؟ أم أننا نتجه نحو فكرة جنونية تنذر بإبادة شعب بأكمله وسط صمت عالمي مخزٍ؟
بين الدعم الأمريكي والإفلات من العقاب
الغطاء السياسي الأمريكي لإسرائيل ليس جديدًا. فمنذ عقود، شكّل الدعم الأمريكي حجر الزاوية في صمود المشروع الصهيوني وتوسعه، ولكن ما يطرحه ترامب اليوم يحمل نذرًا أشدّ خطورة. فالرجل الذي جاء إلى البيت الأبيض محمولًا على موجة من التطرف الشعبوي، لا يتوانى عن تقديم أوراق اعتماده لأكثر التيارات تطرفًا في إسرائيل، حتى لو كان الثمن إبادة جماعية بحق شعب بأكمله.
تصريحات ترامب ليست مجرد رأي سياسي، بل هي بمثابة إشارة تشجيعية لإسرائيل لمواصلة نهجها القائم على التدمير الشامل، وإضعاف أي مشروع وطني فلسطيني، سواء عبر حروب الإبادة أو الخنق السياسي والاقتصادي. إنها إعلانٌ بأن القانون الدولي لا مكان له إذا ما تعلق الأمر بحقوق الفلسطينيين، وأن الفيتو الأخلاقي والسياسي الأمريكي لا يزال ساري المفعول.
حماس بين العناد والواقع المتغير
لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل مسؤولية حماس كفاعل مركزي في هذه المعادلة المعقدة. فالعناد السياسي، والرهان على شعارات المقاومة دون قراءة واقعية للمعطيات الجيوسياسية، وضع القطاع وسكانه أمام خيارات كارثية. إن تمسك حماس بنموذجها العسكري، رغم تآكل الحاضنة العربية والدولية، ورغم فشل مشروع الإسلام السياسي في أكثر من مكان، يعمّق من عزلة غزة ويفاقم من معاناة سكانها الذين يدفعون وحدهم ثمن الحسابات الخاطئة والرهانات الخاسرة.
حماس مطالبة اليوم بمراجعة جذرية، لا تعني الاستسلام ولا التفريط، بل تعني الواقعية السياسية، والانفتاح على حلول تحقن دماء الأبرياء، وتُعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني الشامل، الذي لا يُختزل في فصيل، ولا يُدار بعقلية الخنادق.
أين العالم العربي والإسلامي؟
ما يجري في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل وصمة عار على جبين كل عاصمة عربية وإسلامية بقيت متفرجة، خائفة، أو لاهية بمهرجانات وترفيه وسط بحور الدماء. آن الأوان للخروج من منطق بيانات الإدانة والاستنكار، إلى تحركات حقيقية على الأرض: ضغوط سياسية واقتصادية، دعم مادي ومعنوي، توحيد الموقف الفلسطيني تحت مظلة وطنية شاملة، وتحريك ملفات الجرائم أمام المحاكم الدولية.
لا يجوز أن يظل الشعب الفلسطيني رهينة لمعادلة صراع إقليمي ودولي، تُدار فيها دماؤه كورقة مساومة. فغزة لا تحتاج فقط إلى طحين ودواء، بل إلى مظلة سياسية تحميها، وإلى وحدة عربية تتجاوز الحسابات الضيقة والخوف من رد الفعل الإسرائيلي أو الأمريكي.
نحو وقف المأساة
المأساة التي يعيشها قطاع غزة لا سابق لها في التاريخ الحديث. أحياء بكاملها أُزيلت من الوجود، آلاف الأطفال تحت الركام، ومجتمع كامل مهدد بالفناء تحت سمع وبصر العالم. إنها لحظة مفصلية في الضمير الإنساني، وفي وعي الشعوب العربية والإسلامية.
يجب أن تتوقف هذه الحرب فورًا. يجب أن يُعاد الاعتبار للإنسان الفلسطيني، وأن تُوضع حدود واضحة للآلة العسكرية الإسرائيلية التي خرجت عن كل معايير الحرب والكرامة. ويجب على كل الأطراف الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، أن تضع الدم الفلسطيني فوق كل اعتبار.
أما العالم، فإن لم يتحرك اليوم، فليعلم أنه شريك في المجازر. وإن لم تتحرك الشعوب قبل الأنظمة، فليعلم الجميع أن التاريخ لا يرحم، وأن صمت اليوم هو جريمة الغد.