12:38 صباحًا / 8 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

بين الفراخ والماء ، قصيدة في الحذر، والبراءة، وشهوة الافتراس ، بقلم: رانية مرجية

بين الفراخ والماء ، قصيدة في الحذر، والبراءة، وشهوة الافتراس ، بقلم: رانية مرجية

بين الفراخ والماء ، قصيدة في الحذر، والبراءة، وشهوة الافتراس ، بقلم: رانية مرجية

“في الطريق إلى الماء
كواسر كثرٌ
أيتها الفراخ التي لم يَكسُها الريشُ بعد
خذي الحذر
على “باب” الغدير
يتزاحم الطيرُ
والمتربصون”

أسامة ملحم

في هذه القصيدة الموجزة، يرسم الشاعر الفلسطيني أسامة ملحم لوحة كثيفة الرموز، شديدة الوقع، يتقاطع فيها الشعر بالتحذير، والبراءة بالخطر، والينبوع بالحصار.

منذ السطر الأول، يضعنا في معادلة وجودية:
الماء موجود، لكن الطريق إليه مزدحم بالكواسر.
والماء هنا ليس ماءً بيولوجيًا فقط، بل هو كل ما يشتهيه الإنسان في حياته الأولى:
الحق، الطمأنينة، الحب، الأمن، النور، الحلم، البداية… الحياة.

لكن الطريق إلى هذه النِعَم، محفوفٌ بمن يتربصون، من لا يكتفون بالعيش بل يريدون افتراس من يحيا.

الكواسر على حواف الينبوع

“في الطريق إلى الماء / كواسر كثرٌ” —


جملة تحمل من الشعر ما يكفي، ومن الحقيقة ما يوجع. الكواسر ليست فقط الوحوش، بل ربما هي السلطة، الجهل، الطمع، الخيانة، العنف، الذكورة المنفلتة، أو حتى أنظمة الخراب.
هكذا يحوّل الشاعر الفكرة من مشهد طبيعي إلى تعبير عن بنية مجتمعية/سياسية/أخلاقية تنهش في طريق الأبرياء إلى الحياة.

نداء إلى البراءة العارية

“أيتها الفراخ التي لم يَكسُها الريشُ بعد” —
ما أجمل هذا النداء، وما أشد هشاشته.
فالفراخ هنا ليست فقط كائنات صغيرة، بل رموز لكل ما لم يشتدّ عوده بعد:
الطفولة، البدايات، المجازفات الأولى، الحب الناشئ، الأفكار الوليدة، كل ما هو جميل لكنه غير محمي.

إنه نداء للحيطة، لكنه ليس تربية على الخوف، بل توعية للبراءة كي لا تُذبح تحت شعارات السذاجة أو حسن النية.

باب الغدير… البوابة المزدوجة

“على باب الغدير / يتزاحم الطير / والمتربصون” —
إن “باب الغدير” صورة بديعة. الباب هنا حدٌّ بين الحلم والخطر، بين الداخل والخارج، بين من جاء للشرب ومن جاء للصيد.
إنه مشهد الحياة في صورتها العارية:
كلما اقترب الضعيف من النبع، اشتدت أنياب من ينتظر عند الضفاف.

ففي هذا الزحام، لا يمكن التمييز بسهولة بين العطاشى والمتربصين، بين من جاء لينجو ومن جاء ليفترس.
وفي هذا الخلط، تضيع الفراخ غالبًا.

شعر يقاوم بالسؤال

قصيدة أسامة ملحم لا تهتف، بل تهمس، لا تعظ، بل تستدرجك للتفكير:
• من نحــن في هذا النص؟
• هل نحن الفراخ أم الكواسر؟
• هل نحن المتزاحمون أم المتربصون؟
• وهل تعلمنا كيف نكسو أرواحنا بالريش قبل أن نُدفع إلى الطريق؟

هذه القصيدة لا تُقرأ فقط، بل تُستشعر كجرسٍ داخلي ينذرنا، كصوت الأم القديمة، كالرؤية المتأخرة التي لم يسعفنا الوقت لنُصغي إليها باكرًا.

في الختام…

في عالمٍ أصبحت فيه الكواسر متخفية،
والغدر يتقن التمويه،
والبراءة تُدان لأنها لم تتدرب على الطعن،

يُطلّ علينا صوت الشاعر ليقول:

احذروا، فحتى على الطريق إلى النقاء،
هناك من يقف مستعدًا لتلويثه بالدم.

شاهد أيضاً

بيان صادر عن اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني

شفا – عقدت اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، اجتماعها الأول في مقر اللجنة التنفيذية …