
رسالة من “جائعٍ” غزّي إلى العالم الظالم ، بقلم : الصحفي سامح الجدي
سلامٌ على من لا يعرف السلام، وسلامٌ على عالمٍ أعمى لا يرى، وأصمٍّ لا يسمع، وأبكم لا يتكلم إلا حين يأذن له سادته.
أنا .. لست شاعرًا ولا نبيًّا،
أنا مجرد جائعٍ من غزة،
أكتب لكم من بين الركام، من زفرات الطين المحترق، من رائحة الخبز المحترق، من جسدي الذي نخره الجوع، ومن قلبي الذي لم يعد يعرف طعم الدفء.
أيها العالم ..
أما شبعتَ من صمتك؟
أما ارتويتَ من دمائنا؟
أما ارتجف ضميرك ولو للحظة، أمام صورة طفلٍ يبحث عن فتات الخبز تحت عربةٍ مقلوبة؟
أمام أمٍّ تنام وهي تضمُّ أبناءها الجياع، تُغنّي لهم الجوعَ نشيدًا وتُخبّئ دمعتها في الظلام؟
في غزة، لم نعد نُحصي الموتى، فقد صاروا أكثر من الأحياء، ولم نعد نميز بين القصف والجوع، كلاهما ينهش .. هذا ينهش الجسد، وذاك ينهش الكرامة.
أيها العالم الذي يتغنّى بالحضارة وحقوق الإنسان،
أين أنت من أطفالٍ حفاةٍ يمشون فوق الزجاج والدم؟
أين أنت من مرضى يحتضرون بلا دواء؟
من مسنين يتكئون على عصا الألم، ولا يجدون قطرة ماء؟
من نساءٍ أنجبن على الضوء الخافت لقذيفة، لا على وهج شمعة؟
أنا الجائعُ لا لأنني كسول، بل لأن طائراتكم حرقت الحقول، أنا العاري لا لأنني لا أحبّ الثياب، بل لأن حصاركم قطع عني حتى الإبرة والخيط. أنا المقهور لا لأنني ضعيف، بل لأنكم تركتموني وحيدًا في وجه العاصفة.
يا من تحكمون العالم من أبراجكم العالية، تعالوا .. لا لتزوروا غزة، بل لتذوقوا الخبز اليابس، لتشربوا ماءً مالحًا كما نشرب، لتناموا بين الحجارة،
لتسمعوا بكاء الأطفال كما نسمعه نحن كلّ ليلة.
ثم عودوا إلى أبراجكم، واكتبوا لنا بيانات الشجب .. إن استطعتم، دون أن ترتجف أقلامكم من الخجل.
أنا الجائع من غزة، ورسالتي لا تحتاج رداً، هي فقط شاهدٌ عليكم .. شاهدٌ على خذلانكم، وعلى زمنٍ صار الصمت فيه أقسى من القنابل، وأبشع من الجوع.
وللجوع بقيّة .. ما دام العالم ظالماً.