1:35 صباحًا / 16 يوليو، 2025
آخر الاخبار

التدوير الوظيفي مدخل نحو إصلاح إداري يعيد الحيوية للمؤسسات الفلسطينية ، بقلم د. عمر السلخي

التدوير الوظيفي مدخل نحو إصلاح إداري يعيد الحيوية للمؤسسات الفلسطينية ، بقلم د. عمر السلخي


أداة إدارية غائبة في فلسطين وحاضرة في التجارب الناجحة


في ظل ما تشهده مؤسسات السلطة الفلسطينية من تحديات بنيوية وأزمات متكررة في الأداء الإداري، يتصاعد النقاش حول ضرورة إصلاح القطاع العام وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، وبينما يُطرح كثير من الحلول على الطاولة، يغيب التدوير الوظيفي كأحد الأدوات الإدارية الأكثر فاعلية في تجديد بيئة العمل وتنشيط الأداء المؤسسي.


التدوير الوظيفي، الذي يقوم على نقل الموظفين بين مهام مختلفة أو إدارات متعددة داخل نفس المؤسسة وفق خطة مدروسة، ليس ممارسة طارئة أو أداة عقابية كما يُساء استخدامه أحيانًا، بل هو نهج استراتيجي يهدف إلى تنمية المهارات، وتوسيع الخبرات، وتعزيز الكفاءة والإبداع، وتحقيق العدالة الوظيفية، في العديد من الدول، تم اعتماده كسياسة مؤسسية ثابتة، خاصة في القطاعات ذات الطبيعة الديناميكية مثل التعليم، والصحة، والخدمة العامة.


للأسف، لا يزال هذا المفهوم مغيبًا أو مُهمّشًا في السياق الفلسطيني، حيث تُدار الوظيفة العامة – في كثير من الأحيان – على أساس الثبات والجمود، دون اعتبار لحاجات التطوير المهني أو تحفيز القدرات.


ما الذي نفتقده في الوزارات الفلسطينية؟


رغم الاعتراف المتزايد داخل الأوساط الإدارية الفلسطينية بأهمية تحسين الأداء الوظيفي، إلا أن التدوير لا يزال يُنظر إليه بريبة أو يُستخدم في أحسن الأحوال لأغراض ترقيعية أو بدوافع شخصية لا مؤسسية، فغياب السياسات الناظمة للتدوير يجعل من بعض المناصب حصونًا مغلقة لا يطالها التغيير، فيما تُترك كفاءات شابة أو فاعلة عالقة في مواقع هامشية لسنوات دون تطوير أو ترقية.


في هذا السياق، تفتقد الوزارات الفلسطينية إلى معايير واضحة لتحديد توقيتات التدوير، أسسه، أهدافه، وكيفية ربطه بخطط التطوير المؤسسي، كما تفتقر إلى الأدوات اللازمة لتهيئة الموظفين نفسيًا ومهنيًا لقبول التنقل بين المهام، سواء عبر برامج تدريبية أو حوافز ملموسة.


النتيجة هي تفشي ظواهر مثل الجمود الوظيفي، الملل، ضعف الإنتاجية، وتراجع الإبداع المؤسسي، وهي مؤشرات تُرصد بوضوح في تقارير الأداء الحكومي والوظيفي خلال السنوات الأخيرة.


التدوير يعزز الرضا والانتماء المؤسسي


هناك تأثير إيجابي مزدوج للتدوير على الأداء والرضا معًا، فالتدوير لا يحسّن فقط من كفاءة الموظف، بل يسهم في خلق بيئة يشعر فيها الموظفون بالتقدير والتحدي الإيجابي والتنوع المهني، ما يرفع من مستويات الالتزام والولاء للمؤسسة.
وفي السياق الفلسطيني، حيث تعاني مؤسسات الدولة من فجوة ثقة متزايدة بين الموظف والإدارة، يمكن للتدوير أن يعيد تشكيل العلاقة البينية داخل المؤسسة على أساس من العدالة، والفرص المتكافئة، والديناميكية التنظيمية، الموظف الذي يرى أن موقعه الحالي ليس نهاية المطاف بل محطة مؤقتة ضمن مسار تطويري أوسع، يصبح أكثر التزامًا وأقل مقاومة للتغيير.


نحو تبني سياسة وطنية للتدوير الوظيفي


آن الأوان لصياغة سياسة وطنية فلسطينية للتدوير الوظيفي، تكون جزءًا من منظومة إصلاح الخدمة المدنية، وتستند إلى رؤية استراتيجية شاملة، يجب أن تقوم هذه السياسة على المبادئ التالية:


• المأسسة: تحويل التدوير من قرار فردي إلى سياسة معلنة بجدول زمني ومهني.
• العدالة: ضمان تطبيق التدوير على الجميع دون استثناءات غير مبررة.
• التكامل: ربط التدوير بخطط التدريب، والتطوير المهني، وتقييم الأداء.
• التحفيز: إرفاق التدوير بحوافز مادية أو معنوية تُشجع الموظف على تقبله.
• المتابعة: تقييم أثر التدوير بشكل دوري على الأداء والرضا والبيئة العامة.
البدء بمشاريع تجريبية للتدوير في وزارات مثل التعليم، الصحة، والعمل، يمكن أن يشكّل خطوة أولى نحو تعميم التجربة.


التدوير بداية إصلاح، لا نهايته


في بلد مثقل بالأزمات البنيوية والتحديات السياسية، قد لا يبدو التدوير الوظيفي أولوية، لكن في الحقيقة، هو أداة مركزية في إعادة ضبط الإيقاع الإداري، وتحريك الطاقات المجمدة، واستعادة الثقة داخل مؤسساتنا الوطنية.
وإذا كانت بعض القطاعات قد وصلت إلى درجة عالية من الإنهاك، فإن استراتيجيات مثل التدوير يمكن أن تشكّل نافذة إصلاح هادئة وفعّالة تعيد الحياة إلى الخدمة العامة.


الوظيفة العامة في فلسطين ليست مجرد مصدر دخل، بل يجب أن تُصبح مساحة للتطور، والعدالة، والانتماء، والإبداع، وهذا لن يتحقق إلا إذا قررنا كسر الجمود والانطلاق في مسارات تجديدية، أبسطها: تدوير الموظف، قبل أن يدور الوطن كله في حلقة مفرغة.

شاهد أيضاً

رئيس مجلس الدولة الصيني يدعو الصين وأستراليا لخلق تضافر أقوى من أجل التنمية

رئيس مجلس الدولة الصيني يدعو الصين وأستراليا لخلق تضافر أقوى من أجل التنمية

شفا – دعا رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ ، الصين وأستراليا إلى تقوية التعاون …