
قراءة في موقف السيد الرئيس محمود عباس ، بين الممكن السياسي وتعقيدات الواقع ، بقلم المهندس : غسان جابر
في تصريحه الأخير، شدد الرئيس محمود عباس على أن الحل الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء مأساة قطاع غزة يتمثل في انسحاب إسرائيل الكامل، وتمكين دولة فلسطين من تولي كامل مسؤولياتها هناك، مع التأكيد على ضرورة تسليم حركة حماس لسلاحها، وانخراطها في العمل السياسي تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، ووفق برنامجها السياسي والشرعية الدولية.
هذا الموقف يحمل في جوهره طموحًا مشروعًا لأي قيادة وطنية تطمح لتوحيد شطري الوطن، وفرض سيادة القانون، ووضع حدٍ لحالة الانقسام السياسي والأمني. لكنه في ذات الوقت، يصطدم بجملة من التحديات الموضوعية والسياسية تجعل من تطبيقه، في ظل الظروف الراهنة، أمرًا معقدًا بل وربما بعيد المنال في المدى القريب، للأسباب التالية:
أولاً: الاحتلال الإسرائيلي ليس في وارد الانسحاب
رغم المطالبة الفلسطينية والعربية والدولية بإنهاء العدوان ووقف الاحتلال، فإن الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة نتنياهو، وبضغط من اليمين المتطرف، ترفض تمامًا فكرة الانسحاب الكامل من غزة، بل وتطرح سيناريوهات للوصاية الأمنية أو الاحتلال الطويل الأمد. إسرائيل تستثمر في الانقسام الفلسطيني وتوظف حالة الانقسام لتبرير سياساتها الاستيطانية والتوسعية، ولا تبدو أنها ستمنح السلطة السيطرة الكاملة دون أثمان سياسية كبيرة وغير مقبولة وطنيًا.
ثانيًا: سلاح المقاومة وموقع حماس
دعوة الرئيس لحماس لتسليم سلاحها والانخراط في العمل السياسي وفق برنامج منظمة التحرير، تُطرح منذ سنوات ولم تجد سبيلها إلى التنفيذ. حركة حماس تعتبر سلاحها “سلاح مقاومة” في ظل استمرار الاحتلال والحصار، وتخشى أن يكون نزع السلاح خطوة أولى نحو تهميشها سياسياً، دون ضمانات حقيقية بوحدة القرار الفلسطيني أو شراكة وطنية فعلية.
ثالثًا: غياب التوافق الوطني
الحل الذي يطرحه الرئيس يحتاج إلى توافق وطني شامل، وإلى حوار داخلي حقيقي يعيد بناء مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية، لا على قاعدة الإقصاء أو الاشتراطات المسبقة. في ظل غياب الثقة المتبادلة بين السلطة وحماس، واستمرار الانقسام، فإن الوصول إلى هذا التوافق يتطلب وساطة قوية وضمانات دولية وعربية واضحة.
رابعًا: الدور العربي والدولي
الرئيس أشار إلى دعم عربي ودولي مطلوب لإنجاح هذا الحل. لكن حتى اللحظة، لا توجد آلية دولية واضحة لتنفيذ مثل هذا السيناريو، كما أن المواقف العربية نفسها ليست موحدة بالكامل، وبعضها يتعامل مع الواقع في غزة من زاوية “إدارة الأزمة” لا حلّها.
نقول : الموقف الذي طرحه الرئيس محمود عباس يعكس رؤية سياسية قائمة على استعادة الشرعية ووحدة القرار، وهو موقف منسجم مع مواقف منظمة التحرير التقليدية. لكنه، دون أن يكون جزءًا من مشروع وطني جامع، وخطة استراتيجية واضحة تتضمن إعادة بناء البيت الداخلي الفلسطيني، ومعالجة جذور الانقسام، وإيجاد ضمانات واقعية، فإن تنفيذه يبقى رهنًا بتغيرات سياسية عميقة محليًا وإقليميًا.
الواقع يتطلب خطابًا وحدويًا أكثر مرونة، يعترف بالتوازنات القائمة، ويعمل على تحويل المقاومة إلى مشروع سياسي وطني مشترك، لا إلى نقطة خلاف أو تهديد داخلي.
وفي الختام، ما يطلبه الرئيس قابل للتطبيق من حيث المبدأ، لكن من حيث الواقع، فإن شروطه لا تزال غائبة.
- – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.