شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .
“في لهيب الأشواق وضياء الكلمات: قراءة في “مجازات المعنى” لـ بوعلي سمير ” ، بقلم : رانية مرجية
مقدمة:
نص الشاعر بوعلي سمير في قصيدته “مجازات المعنى” يحمل عبقًا من الصوفية، سحرًا لغويًا، وحنينًا متأصلًا في تلافيف الحروف. يتداخل في النص الشغف العاطفي مع بلاغة مجازية فائقة تجعل الكلمات تتراقص مع المشاعر في تناغم قلما يراه القارئ في قصائد أخرى. بين لهفة العاشق وهدوء اللقاء، بين الخيال والواقع، وبين الزمن والمكان، يرتسم لنا عالم شعري تسكنه الوجدانية، ويملؤه لهيب الأشواق.
التحليل:
تبدأ القصيدة بعبارة “أسرج لهفتي”، وهو تعبير قوي يعكس بداية رحلة عاطفية حيث يلتقي الشاعر بحالة من التوق الشديد. “لهفتي” هنا لا تشير فقط إلى الشوق، بل إلى الرغبة المتوهجة التي لا تُكبح، التي تسعى إلى الوصول إلى الحبيب مهما كانت المسافات. وتبدأ الرحلة الداخلية التي هي في ذاتها مكمن عذاب الشاعر وشغفه.
“بابا على مجازات المعنى” هي إحدى أعمق الصور التي يعبر بها الشاعر عن ذاته في النص. البوابة (بابا) هي البداية التي تجذب القارئ إلى عالمٍ مليء بالرمزية. ليس بابًا حقيقيًا كما قد يتخيل البعض، بل بابٌ مجازي؛ مفتوح على مختلف الإمكانيات، يحمل معانيه المستترة في دروب اللغة والخيال. “مجازات المعنى” قد تشير إلى أن الشاعر يسعى للوصول إلى مراداته عبر التأويلات والاستعارات المتعددة التي يمكن أن يحملها أي نص شعري. كما أن الكلمة “مجازات” تفتح لنا بابًا من التفسير المتعدد للمشاعر والرغبات.
الشاعر يواصل الحديث عن “مسافات البعد” التي يتم كسرها بـ “لهيب الأشواق” و “المنى”. هذه الصور تعكس قدرة الحلم على تخطي الحدود المكانية والزمانية، حيث تتحول الأشواق إلى قوة لا يمكن مقاومتها، ولهيبها قادر على اختراق المسافات والتغلب على الزمن نفسه.
القصيدة تتنقل بين الحلم والواقع بشكل لافت. “أصنع بلب الخيال لقاء” هذه الصورة تحمل في طياتها لعبة التماهي بين الخيال والواقع، حيث يبدو أن اللقاء الذي يتحدث عنه الشاعر هو منتج خيالي، لكنه كالنار في جذوتها يملأ قلبه بالحقيقة والوجود. الهذيان والجنون الذي يذكره الشاعر في النص يتقاطع مع قوة العاطفة والمشاعر الجياشة التي تدفعه إلى كسر القيود العقلية والنفسية.
“و عند الهذيان و الجنون / تتلاقى نبضات / عشقنا”، هنا يتحقق اللقاء الموعود بين الحواس والعقل، بين الحب والتحدي، بين الوجدان والشعر. الشاعر يضعنا أمام نقطة التقاء متشابكة للمشاعر التي لا يمكن أن تكتمل إلا بتفاعل العناصر الغامضة في النفس البشرية.
أما “نغافل عساس الليل” و “لتردد النجوم غزلنا” فهما يشيران إلى صورة الجمال المكاني الذي يغلف الشعراء في ساعات الليل، حيث يُصبح الليل شاهدًا على العشق الذي لا تقيده أي حدود. “عساس الليل” هو الراوي أو الحارس، لكنه في هذه الحالة يرمز إلى رقابة الزمن التي لا تستطيع السيطرة على ما يتجاوزها.
ثم تتابع القصيدة مشهدًا شاعريًا آخر: “فيخجل الوقت هاربا”، في هذا المقطع يتجلى التضاد بين الزمن المادي واللحظة العاطفية الخالدة. فالشاعر لا يكترث للزمن الذي يهرب أمامه في لحظة حب فائقة الجمال. “يحل الفجر فمن مثلنا”، فجأة، ينجلي الزمن ليصبح اللحظة كاملة وتامة في عيون الحبيبين.
وبينما تواصل القصيدة رحلتها نحو الذروة، يتبدى لنا “أمواج القصيدة” التي نركبها “كما مضى من هم قبلنا”، لتجسد الصراع الأزلي بين الفرد والمجموعة، بين العاشق والمحبوب، وبين الحلم والواقع. هنا نجد استعارة البحر التي تمثل اللحظات العاطفية الصاخبة التي لا تهدأ أبدًا، حيث يتحرك فيها الشاعر وفقًا للأنماط الشعرية التي أبدعها من قبله كبار الشعراء.
“نعاقر اللقاء لهف نشوة” يعكس حالة من التلذذ العاطفي التي تنتاب الشاعر في لحظات اللقاء، حيث يصبح الحب مشروبًا حارقًا، وهذا يشير إلى التمادي في تجربة العاطفة.
أخيرًا، يقدم الشاعر لنا صورة “شقراء تعتلي صهوة صدري”، وهي مجاز يضفي على الصورة جمالًا وحرية، حيث أن الشاعر يقارن مشاعره بالصهوة التي تتسم بالحركة والحرية المطلقة. “نكتب أسطورة / مجدنا”، وهنا يتحول العشق إلى خرافة، إلى أسطورة تكتب بلغة الشعر، ليبقى الأثر الأبدي لهذا الحب في الزمن.
الختام:
في هذا النص، يتجلى بوعلي سمير شاعرًا عميقًا في استخدامه للمجازات التي تشكل أسلوبه الفريد في التعبير عن الحب. اللغة لا تقتصر على كونها وسيلة للتواصل، بل هي أداة تحوّل الواقع إلى حلم، والواقع الصارم إلى فضاءٍ مجازيّ يتجاوز كل الحواجز.
القصيدة تظل تُحاكي في كلماتها أعماق القلوب، وتظل في ذاكرة القارئ مخلدةً لحظات من التوق، الحلم، والجمال.
