3:32 مساءً / 5 يوليو، 2025
آخر الاخبار

ظاهرة الشعوذة في تونس بين الاستغلال الاقتصادي والانهيار الأخلاقي ، بقلم : امال الحاجي

ظاهرة الشعوذة في تونس بين الاستغلال الاقتصادي والانهيار الأخلاقي ، بقلم : امال الحاجي

ظاهرة الشعوذة في تونس بين الاستغلال الاقتصادي والانهيار الأخلاقي ، بقلم : امال الحاجي

جرائم باسم الخرافة


في مجتمع يُفترض أنه يتجه نحو الحداثة والعقلانية، تطفو على السطح بين الحين والآخر جرائمٌ تذكرنا بعصور الظلام، حيث يُقتل الإنسان أو يُشوّه بسبب أوهامٍ يروّجها دجالون محترفون. حادثة “اقتلاع عين الزوجة” في السبيخة ليست سوى حلقة في سلسلة جرائم الشعوذة التي تهزّ تونس، والتي تكشف عن أزمة مركبة: أزمة ثقافية، قانونية، وأخلاقية فكيف تحوّلت الشعوذة إلى صناعةٍ مزدهرةٍ في بلدٍ يفترض أنه ينتمي إلى العالم الحديث؟ ولماذا تفشل الدولة والمجتمع في مواجهتها؟

الانتشار الصاروخي: من الأرياف إلى أحياء الأغنياء


لم تعد الشعوذة ممارسةً سريةً في القرى النائية، بل أصبحت ظاهرةً علنيةً تزحف نحو العاصمة والمناطق الراقية، حيث يدفع الضحايا آلاف الدنانير مقابل وعودٍ كاذبة:


تسويق احترافيإعلانات مدفوعة على فيسبوك، يوتيوب، وحتى على قنوات تلفزية، تُظهر “المشعوذ” كخبيرٍ في “الكشف عن الكنوز” أو “العلاج الروحي”، بل وصل الأمر إلى ظهور “عيادات شعوذة” بأسعارٍ خيالية.


تحالف المال والنفوذ بعض الدجالين يمتلكون حمايةً من نافذين، أو يشتكون “الضحايا” بتهمة التشهير إذا تجرأوا على كشفهم، مما يعكس فسادًا مؤسساتيًا.


استغلال الأزمات في ظلّ الأزمات الاقتصادية، يبيع المشعوذون أوهام الثراء السريع عبر “كنوز مدفونة”، أو يستغلون الأزمات العائلية (طلاق، خيانة) لابتزاز الضحايا.


: كيف سمحنا بتحوّل الدجل إلى “خدمةٍ” تُعلن عنها في وضح النهار، بينما يُحاسب المواطن على منشورٍ سياسيٍ على فيسبوك؟

الدولة الغائبة: قوانين هزيلة وإفلات من العقاب


رغم وجود نصوص قانونية تجرّم الشعوذة (مثل الفصل 218)، إلا أن الواقع يُظهر:


عقوباتٍ غير رادعة غرامات زهيدة أو سجنٌ لبضعة أشهر، بينما الجرائم المرتبطة بها (قتل، تشويه) تُدمّر أسرًا بأكملها.
تساهل القضاء بعض القضايا تُهمل لصعوبة إثبات “النوايا”، أو بسبب تلاعب المشعوذين بالضحايا عبر التهديد.
غياب الرقابة لم تُغلق الصفحات الإعلانية للمشعوذين، ولم تُحاسب القنوات التلفزية التي تروج لهم تحت غطاء “البرامج الدينية”.

تناقض صارخ كيف تُنفق الدولة أموالًا على حملات مكافحة “الإرهاب الفكري”، بينما يُترك الإرهاب الخرافي يفتك بالمجتمع؟

المجتمع الشريك: بين الجهل والمسؤولية الفردية


لا يمكن إلقاء اللوم على الدولة فقط، فالمجتمع نفسه شريكٌ في هذه الكارثة عبر:


الإيمان بالخرافةحتى المثقفون يلجأون أحيانًا إلى “الراقي الشرعي” خوفًا من “الحسد”، أو يشاركون في نشر قصص “الكوارك” و”الجن العاشق”.


الصمت الاجتماعي: تُحلّ العديد من جرائم الشعوذة عبر “الصلح العائلي” بدلًا من التبليغ، مما يشجّع المجرمين على الاستمرار.


النفاق الديني: البعض يدين الشعوذة علنًا، لكنه يزور المشعوذين سرًا!

مفارقة مأساوية نحن نستهزئ بالدجالين، لكننا نغذّي تجارتهم!

الحلول: بين القوة القانونية والتغيير الثقافي


لمواجهة هذه الظاهرة، لا بدّ من:


إصلاح القانون: تشديد العقوبات (السجن 10 سنوات على الأقل إذا نتج عن الشعوذة جريمة)، ومصادرة أموال الدجالين.
ضرب المصادر الاقتصادية مقاضاة القنوات ومواقع التواصل التي تروج لهم، وإدراجهم في قوائم “الإرهاب الاقتصادي”. توعية جذريةإدخال مناهجَ تعليميةٍ تنقد الخرافة، وحملات إعلاميةٍ بكيفية تحليل ادعاءات المشعوذين.


تمكين المرأة معظم ضحايا “طقوس الكنوز” من النساء، مما يتطلب حمايةً خاصةً وتشريعاتٍ تُجرّم استغلالهنّ باسم الدين.

هل نستحق الحداثة؟


ظاهرة الشعوذة في تونس ليست مجرد “جرائم فردية”، بل هي اختبارٌ حقيقيٌّ لعقلانية المجتمع وقوة الدولة. حين يُقتلع إنسانٌ عينُ زوجته لأن “مشعوذًا” أمره بذلك، فهذه ليست جريمةً ضد الضحية فقط، بل ضدّ كلّ تونسيٍّ يؤمن بالعقل والقانون. السؤال الأصعب: هل نحن جادّون في مواجهة هذا الوباء، أم سنظلّ ننتظر الضحية التالية؟.

هذه الظاهرة لن تختفي بقرارٍ وزاريٍّ، بل بثورةٍ ثقافيةٍ تُعيد تعريف العقلانية في مجتمعنا، وتجعل من الخرافة عارًا اجتماعيًا، لا “حلًا سحريًا” لأزماتنا.


امال الحاجي

شاهد أيضاً

وزير الخارجية الصيني يحث الصين وفرنسا على التمسك بالتعددية وقواعد التجارة الحرة

وزير الخارجية الصيني يحث الصين وفرنسا على التمسك بالتعددية وقواعد التجارة الحرة

شفا – قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إنه يتعين على الصين وفرنسا مناصرة التعددية …