
إيران بعد الهجوم الأمريكي : بين لحظة الحقيقة وخطر السقوط ، بقلم : علاء عاشور
الهجوم الأمريكي على إيران ليس مجرد حادث عسكري عابر، بل يمثل لحظة فارقة في مسار الصراع الإقليمي والدولي، ويكشف عن انتقال الولايات المتحدة من استراتيجية الضغط القصوى إلى قواعد اشتباك جديدة أكثر جرأة، بل وأقرب إلى التصفية المباشرة للخصوم الإقليميين الذين ينازعونها على النفوذ في الشرق الأوسط.
إن السؤال الذي يتردد على الألسنة في هذه الساعات المصيرية: هل ترد إيران؟ وكيف؟
الرد الإيراني على الهجوم الأمريكي لن يكون خيارًا بسيطًا أو حتميًا، بل هو قرار استراتيجي محفوف بالمخاطر، تتداخل فيه الحسابات السياسية والعسكرية والأمنية. فالرد المباشر على القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في الخليج والعراق وسوريا قد يفتح أبواب جهنم على المنطقة بأسرها، لكنه في الوقت ذاته قد يكون السبيل الوحيد للحفاظ على هيبة النظام الإيراني الذي يجد نفسه اليوم أمام لحظة الحقيقة، حيث لا مجال للمناورة أو التأجيل.
فالنظام الإيراني، الذي بنى خطابه الإيديولوجي منذ الثورة على مواجهة “الشيطان الأكبر”، يدرك أن التراجع في هذه اللحظة قد لا يعني فقط انكسارًا معنويًا أمام الداخل والخارج، بل قد يكون نذير سقوط سياسي مدوٍّ في الداخل، خصوصًا في ظل الغضب الشعبي المتنامي، وتراجع الوضع الاقتصادي، وتآكل شرعية النظام في عيون قطاعات من المجتمع الإيراني.
إن الهجوم الأمريكي على منشأة فوردو وغيرها من المنشآت النووية بضربات من قاذفات إستراتيجية هو إعلان ضمني بأن واشنطن ترسم قواعد جديدة للعبة في الشرق الأوسط ، قواعد لا تعترف بحسابات الردع التقليدية، ولا تخشى التورط في مغامرات عسكرية ما دامت تضمن تفوقًا تقنيًا واستخباراتيًا ساحقًا.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المشهد يعيدنا إلى ما قبل غزو العراق في 2003، حين كانت التصريحات الأمريكية تتصاعد، والحصار يشتد، والضربات الجوية تُمهّد لتدمير بنية الدولة العراقية. لقد انتهى العراق يومها كقوة إقليمية صاعدة، ودُمرت مؤسساته، وشُرعت أبوابه للفوضى والطائفية والتدخلات الخارجية.
فهل تسير إيران على نفس الطريق؟ وهل تتحول من لاعب إقليمي نشط إلى دولة محطمة بفعل المغامرات الأمريكية والردود غير المحسوبة؟
هذا هو التحدي الأبرز الذي يواجه القيادة الإيرانية اليوم. فالاختبار لم يعد نظريًا. والساعات المقبلة ستكون حاسمة: إما رد مدروس يوازن بين الحفاظ على الكرامة الوطنية والنجاة من الفخ الأمريكي، أو انجرار نحو مواجهة شاملة قد تكون بداية النهاية لنظام بنى نفسه على فكرة الصمود والمقاومة.
إننا أمام مفترق طرق خطير. وما يحدث الآن ليس مجرد تصعيد مؤقت، بل هو بداية مرحلة جديدة من إعادة تشكيل الشرق الأوسط، حيث الضعف ممنوع، والتردد قاتل، والقرارات المصيرية لا تؤجل.
فهل تملك إيران الشجاعة والحنكة في آن معًا؟ أم أن الهجوم الأمريكي كان الضربة التي أيقظت النظام على حافة الهاوية؟
الأيام وربما الساعات القادمة ستكشف الكثير.