
إيران بين المطرقة والسندان ، قراءة في أبعاد الهجوم الإسرائيلي ودلالاته السياسية ، بقلم: علاء عاشور
لم يكن الهجوم الإسرائيلي على إيران مجرد عملية عسكرية منعزلة عن السياق السياسي الإقليمي والدولي، بل بدا وكأنه جزء من مسرح تفاوضي أكبر، تُستخدم فيه القوة كأداة ضغط في لعبة المصالح الاستراتيجية التي تتقاطع فيها واشنطن وتل أبيب وطهران.
العمل العسكري: أداة تفاوض أم إشعال للحرب؟
منذ زمن بعيد، لم يعد العمل العسكري يُقرأ فقط في بعده القتالي أو الأمني، بل بات يُفهم في كثير من الأحيان كرسالة سياسية موجّهة بعناية، تُستخدم لتحقيق أهداف تفاوضية أو لإعادة ترتيب موازين القوى. والولايات المتحدة، عبر دعمها الضمني أو المباشر للهجوم الإسرائيلي، لا تستهدف فقط تحجيم المشروع الإيراني، بل تسعى كذلك إلى ممارسة ضغوط نفسية واستراتيجية على طهران لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط أشدّ وطموحات أقل.
طهران على مفترق طرق
تجد إيران نفسها اليوم في موقف بالغ التعقيد. فالصمت أو التراجع يُمكن أن يُفسَّر داخليًا وخارجيًا على أنه علامة ضعف وانكسار، وهو ما قد يُهدد تماسك النظام داخليًا، ويضعف من قدرته على الاستمرار في قيادة جبهة “الممانعة” التي لطالما تغنّى بها. ومن جهة أخرى، فإن الانجرار إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل — وربما مع الولايات المتحدة أيضًا — قد تكون له عواقب كارثية على الداخل الإيراني، خصوصًا في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، والاحتجاجات الشعبية المتكررة التي تنذر بخطر تصدّع شرعية النظام.
خياران لا ثالث لهما؟
تبدو خيارات إيران محدودة، ومهما حاولت المناورة، فإنها أمام معادلة شديدة الحساسية: إما الانخراط في مواجهة شاملة لتحافظ على صورتها كقوة إقليمية لا تُقهر، أو القبول بالعودة إلى المفاوضات وفق شروط جديدة تُفرض عليها من موقع ضعف، وهو ما سيضعف مكانتها أمام جمهورها في الداخل وفي المنطقة.
حسابات الداخل والخارج
النظام الإيراني ليس في موقع يسمح له باتخاذ قرارات متهوّرة. فالضغط الشعبي المتصاعد، والانهيار الاقتصادي المتواصل بفعل العقوبات، وتقلّص هامش المناورة الإقليمي، كلّها عوامل تدفعه إلى التفكير مليًا قبل الرد. كما أن أي تصعيد غير محسوب قد يفتح الباب لتدويل الأزمة، وربما حتى إلى تدخل عسكري واسع، خصوصًا مع وجود رغبة لدى بعض الأطراف الدولية في إعادة رسم خريطة المنطقة.
في المقابل، فإن واشنطن وتل أبيب تعيان تمامًا هذه الهشاشة، وتوظفانها ببراعة من أجل تعزيز موقعهما في المفاوضات المقبلة. فليس الهدف إسقاط النظام الإيراني — على الأقل في المدى المنظور — بل إضعافه وتقييده وإجباره على التنازل، ضمن لعبة توازن دقيقة تُراعي مصالح الجميع، دون التورط في حرب مفتوحة لا تُريدها أي من القوى الكبرى في الوقت الراهن.
الرسالة إلى الداخل الإيراني
الهجوم الإسرائيلي يحمل في طياته رسالة مزدوجة: الأولى إلى القيادة الإيرانية، مفادها أن خطوطها الحمراء لم تعد مُخيفة كما كانت، والثانية إلى الشعب الإيراني، تقول إن نظامه لم يعد قادرًا على حمايته أو الدفاع عن “هيبته” المزعومة. وهنا تكمن الخطورة؛ فمتى ما اهتزت صورة النظام في أذهان الداخل، وبدأ الشعب يفقد ثقته في قدرته على الصمود، يكون الطريق ممهّدًا لانفجار اجتماعي أوسع.
ختامًا: ذكاء سياسي أم انتحار استراتيجي؟
إيران اليوم أمام منعطف حاسم. المواجهة قد تُكسبها احترامًا في عيون أنصارها، لكنها قد تُفقدها البنية التحتية والشعبية والنفس الطويل اللازم للبقاء. أما التراجع، فقد يُجنّبها الكارثة العسكرية، لكنه سيفتح باب التساؤلات والتمرد الداخلي. وهنا تبرز الحاجة إلى قدر عالٍ من الذكاء السياسي والبراغماتية الواقعية. فالمعادلة لم تعد فقط مَن الأقوى عسكريًا، بل مَن الأذكى في إدارة التوقيت والتكتيك.
هل تنجح طهران في تجاوز هذا النفق دون أن تفقد رأسها أو روحها؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.