
هل تحتاج فلسطين إلى عملة وطنية؟ المفاضلة بين السيادة النقدية والاستقرار المالي ، بقلم : علاء عاشور
مقدمة
يُعد موضوع العملة الوطنية من أبرز التحديات التي تواجه مشروع الدولة الفلسطينية. في ظل غياب عملة فلسطينية رسمية، تعتمد الأراضي الفلسطينية حاليًا على ثلاث عملات: الشيكل الإسرائيلي، الدينار الأردني، والدولار الأميركي، مع سيطرة شبه كاملة للشيكل في المعاملات اليومية والتجارية. يطرح هذا الواقع تساؤلاً جوهريًا: هل من الأفضل لفلسطين أن تُبقي على الشيكل باعتباره عملة قوية ومستقرة، أم أن تسعى إلى إصدار عملة وطنية مستقلة؟
أولاً: جدوى إصدار عملة وطنية
من الناحية الاقتصادية، إصدار عملة وطنية يُعتبر خطوة طبيعية ضمن مسار بناء الدولة. فالنظام النقدي المستقل يُتيح أدوات فعالة للتحكم في السياسة المالية والنقدية، مثل التحكم في معدلات الفائدة، والتحكم بالكتلة النقدية، واحتواء التضخم.
المزايا الاقتصادية والسياسية تشمل:
تعزيز السيادة الوطنية: العملة رمز من رموز الاستقلال، وغيابها يعبّر عن تبعية اقتصادية ونقدية.
إمكانية تفعيل سياسة نقدية مستقلة: تساعد على مواجهة الركود، دعم الصادرات، وضبط السوق المحلي.
تشجيع الثقة بالمنظومة الاقتصادية الوطنية: في حال وُجدت مؤسسات مالية قوية، يمكن للعملة أن تصبح أداة لتثبيت الثقة المحلية.
لكن هذه المزايا تصطدم بعقبات حقيقية:
ضعف القاعدة الإنتاجية الفلسطينية: الاقتصاد الفلسطيني غير متنوع، ويعتمد بشكل كبير على إسرائيل كمصدر للواردات والأسواق.
غياب الاحتياطي النقدي الكافي: إطلاق عملة يحتاج إلى غطاء نقدي أو إنتاجي يحفظ قيمتها، وهو ما تفتقر إليه السلطة الفلسطينية حاليًا.
غياب الاستقرار السياسي والمؤسسي: لا يمكن الحديث عن عملة قوية في ظل انقسام سياسي ومؤسسات غير موحدة.
ثانيًا: الشيكل كخيار عملي
يُستخدم الشيكل الإسرائيلي على نطاق واسع في الضفة الغربية وقطاع غزة، سواء في الرواتب، المعاملات اليومية، أو العمليات التجارية والاستيراد. السبب في ذلك ليس فقط الجغرافيا، بل البنية التجارية المعقدة التي تربط الاقتصاد الفلسطيني بالإسرائيلي.
أهم مزايا الاعتماد على الشيكل:
استقرار نسبي في القيمة: الشيكل مدعوم من اقتصاد إسرائيلي قوي، ما يقلل من مخاطر التضخم أو الانهيار المفاجئ.
تيسير التجارة مع إسرائيل: أكثر من 60% من التجارة الفلسطينية تتم مع السوق الإسرائيلي، مما يجعل استخدام الشيكل أكثر عملية وكفاءة.
انخفاض التكاليف الإدارية: لا حاجة لطباعة عملة، إنشاء بنك مركزي، أو نظام نقدي مستقل – مما يوفر أعباء مالية وتنظيمية.
لكن هذا الاعتماد له آثار سلبية واضحة:
انعدام السيطرة النقدية: لا تستطيع فلسطين التحكم في الفائدة، العرض النقدي، أو أدوات السياسة النقدية الأخرى.
تبعية اقتصادية عميقة: يُرسّخ استخدام الشيكل التبعية البنيوية لإسرائيل ويحد من قدرة الفلسطينيين على تطوير نموذج اقتصادي مستقل.
عرقلة مشروع الدولة: يصعب الحديث عن كيان سياسي مستقل بلا نظام نقدي مستقل.
ثالثًا: نحو مقاربة وسطى؟
يمكن التفكير في حلول وسط، لا تقفز مباشرة إلى إصدار عملة مستقلة ولا تستمر في حالة التبعية المطلقة، مثل:
إنشاء عملة موازية مرتبطة بسلة عملات (مثل الشيكل والدولار): تستخدم في المعاملات المحلية وتحمل طابعًا وطنيًا، بينما تظل العملات الأجنبية تُستخدم في التجارة الخارجية.
اعتماد نظام الدفع الرقمي الوطني: لتقليل الاعتماد على البنية التحتية النقدية الإسرائيلية، دون إصدار عملة ورقية تقليدية.
تأسيس بنك مركزي فلسطيني مستقل وظيفيًا: حتى دون إصدار عملة، يمكنه تنظيم النظام المالي ووضع أساس للاستقلال المستقبلي.
خاتمة
السؤال عن العملة الفلسطينية لا يتعلق فقط بالأرقام، بل بالهوية والسيادة والاستقرار. ورغم أن استخدام الشيكل يبدو أكثر استقرارًا في الوقت الراهن، إلا أنه لا يمكن أن يكون خيارًا دائمًا لدولة تطمح إلى الاستقلال الكامل.
الاستراتيجية الأمثل تكمن في الانتقال التدريجي نحو نظام نقدي مستقل، يتكئ على بنية اقتصادية قوية، مؤسسات متماسكة، وشراكات إقليمية ودولية، بما يضمن لفلسطين استقلالها المالي دون الوقوع في فخ العزلة أو الفوضى النقدية.