4:20 مساءً / 3 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

من الرّقيب إلى الحافز ، رسالة رفعت الصبّاح وجلباب السؤال ، بقلم : نسيم قبها

من الرّقيب إلى الحافز ، رسالة رفعت الصبّاح وجلباب السؤال ، بقلم : نسيم قبها

من الرّقيب إلى الحافز ، رسالة رفعت الصبّاح وجلباب السؤال ، بقلم : نسيم قبها

قراءة في رسالة رفعت الصباح لدرجة الماجستير ( واقع امتلاك المشرفين التربويين للكفايات الإشرافية ، وعلاقتها بالمخرجات الاجتماعية للتعلم من وجهات نظر مديري المدارس والمعلمين في فلسطين)

هذه ليست دعوة للقراءة ، لأنها دعوة خطرة في الحقيقة ، وفي مدى خطورة تقديم رسالة الماجستير لرفعت الصباح في الإدارة والإشراف التربوي ، كانت أن دور الإبستمولوجيا في ( واقع امتلاك المشرفين التربويين للكفايات الإشرافية) هو دور طرح السؤال المتميز بالنظرة الحديّة المفتوحة على كل الذهنيات الدوغمائية منها ، والمنفرجة ، لنصل إلى ما يسبق السؤال الأول في ظل عالمٍ تتصارع فيه المناهج بين الحشو الأكاديمي وضرورات بناء الإنسان .


بالطبع لم يمهلنا الصباح طويلا في سؤاله الجوهري ، والذي قلّما يداهمه مغاير : كيف يتحول المشرف التربوي من “رقيب” إلى “حافز” لتعلمٍ يبني العقل والوجدان معاً؟


الوجدان الذي تم فصله بريغماتيا في منهجية التربية السوقية ، والتي يتم مغنطتها من حقل النيوليبرالية الاستهلاكية بقصد.


في فلسطين مثلا ومثالا ، حيث الحجر والتاريخ يُهدم كل يوم، لكن المدارس والتأريخ تظل تُبنى ، فالمدارس هي فعل قبل المبنى بالطبع ، ثم تأتي هذه الدراسة التي بزغت من فجر التجربة المشتبكة لرفعت الصباح تحديدا ، هذا الاشتباك في ممارسته التربوية العابرة للجغرافيا من خلال تجربته كرئيس للحملة العالمية للتعليم ، وللإئتلاف التربوي الفلسطيني ، ولمركز إبداع المعلم ، رئاسة تفتقر للسجاد الأحمر الحادّ للانطلاق ، لكنها رئاسة شعبية متخمة بالتفاعلات الإقليمية تربويا ، تأتي هذه الدراسة لتكشف عن “معجزة صامتة”: كيف يستطيع المشرفون التربويون – رغم شح الإمكانات – أن يكونوا حماةً للقيم الاجتماعية في التعليم؟. من خلال دراسة ميدانية و تحليل آراء 342 معلماً و15 مديراً، ومن بعدها نكتشف أن “الكفايات الإشرافية” ليست مجرد مهارات تقييمية جامدة ، بل أدوات تغيير حركي اجتماعي، تزرع قيم المواطنة الواعية ، والتعاون في كل حصة دراسية لا تعود .


هنا، حيث يتفوق المشرفون كسدنة التعليم الرسمي في “المعرفة” ويقصرون في “الابتكار”، وحيث يبرز حديثو التخرج كأكثر استجابة للتوجيهات القيمية غير المفطومة ، نضع أصبعنا على مفارقة تربوية مغايرة وواخزة : كلما زادت التحديات المجتمعية وهي تزيد بالطبع ، ازدادت حاجتنا إلى إشرافٍ لا يُعلّم الأطفال كيف ينجحون في الامتحانات في مدارس التحفيظ ، بل كيف يبنون وطنهم بإنسانيتهم في مساحات التعلّم .


وقعت ورقة رفعت الصباح على طاولة الحوار والسؤال في لجنة منبهرة اندهاشا مما خطّ ، لأنها ليست مجرد عرض لنتائج دراسة لنيل شهادة حائط ، بل نافذة على روح التعليم الفلسطيني المقاتل والديمومي ، و الذي يصرّ بإرادة في صناعة المعنى وسط الركام الدامي وتحته . فكيف يُحدث الإشراف التربوي هذا التحول كتحويل في التعليم ؟. وما الثمن الذي ندفعه باهظا عندما تتراجع كفايات الابتكار لدى المشرفين؟.


إن ارتفاع نسبة مستوى امتلاك المشرفين التربويين للكفايات الإشرافية ـ حسب الدراسةـ مع تفوق الكفايات المعرفية مقابل ضعف نسبي في كفايات البحث والابتكار ، يعني القرائية بشكلها المتبرج ، مع أنها أبرزت في النتائج دور المشرفين في تعزيز قيم المواطنة والتعاون عبر:
التواصل المباشر مع المعلمين والأسر ،
وتوجيه المناهج نحو بناء الشخصية ،
وغياب تأثير متغيرات الجنس والمنطقة مقابل تفوق فئات حديثي التخرج وقليلي الخبرة.


ولأجل هذا التسطّح المتقدم في كفاف دور المشرفين المتواضع نتاجا للحالة السياساتية في المنظومة التربوية ، أوصت ورقة الصباح ببرامج تطويرية تركز على الربط بين المخرجات الأكاديمية والاجتماعية ، في النضج العاطفي الانفعالي ، من خلال تعاطي للدراسة خارج عن النمطية المعهودة في نقاش لابسي الجلابيب.


ولأن الإطار النظري في الدراسة ، و الذي شرّح العلاقة بين الإشراف والمجتمع من خلال التعريف الديناميكي الذي اعتبر الاشراف عملية تفاعلية لبناء القدرات التعلمية والاجتماعية للمعلمين والطلبة ، كانت هذه الخطوة القاصمة لتعريف الاشراف المبتذل ، والذي لم يراعي تحولاته الجوهرية في أنسنة التعليم المتعاطي بالتشاركية الرافضة للسلطوية ، خاصة في ظل التحولات التكنولوجية النافذة لبناء بنية تحتية للتعليم الفاعل والفعّال .


لقد أكد الصباح من خلال المخرجات الاجتماعية لدراستة تبيان الوجه الخفي للعملية التعليمية في القيم والمهارات غير الأكاديمية التي يكتسبها المتعلم (المواطنة، العمل الجماعي) ، وآليات تأثير الإشراف فيها ، وبيّن أن نموذج الترشيح الاجتماعي في كيفية ممارسة المشرف دور “المرشح الثقافي” عبر انتقاء القيم في الزيارات الصفية و تحفيز المعلمين على توظيف المناهج في بناء الهوية ، ونظرية التعلم الاجتماعي ، حيث يصبح المشرف قدوة في الممارسات القيمية.


في تحليله لما سبق عبر السؤال: لماذا تتفوق كفايات على أخرى؟، أردف ، بأن الكفايات المعرفية المتصدرة تؤكد تركيز النظام التربوي الفلسطيني على الجانب الأكاديمي بسبب ضغوط الامتحانات الدولية ومحدودية الموارد الموجهة للبحث التربوي . اما ضعف الابتكارية في دراسته فكانت مؤشرا على ندرة الحوافز المادية للمشرفين المبتكرين ، مع مركزية القرارات التعليمية التي تقيد التجريب .


لقد أوصى الصباح نحو إشراف يبني المجتمع ، من خلال مبادرة “المشرف المبتكر” . وتخصيص 20% من وقت الزيارات الميدانية لتجريب أساليب تعزيز القيم. وإنشاء منصة إشراف اجتماعية تربوية ، ورقمنة تواصل المشرفين مع الأهالي عبر غرف نقاش شهرية ، وتقارير رقمية عن المخرجات الاجتماعية ، بالإضافة إلى إعادة هندسة البرامج التدريبية من خلال دمج وحدات عن الذكاء الاجتماعي في الإشراف و تحليل البيانات السلوكية للطلبة…

أخيرا فإن مقولة الصباح من خلال هذا النداء المشتعل ، بضرورة أن يغدو الإشراف التربوي كفعل مقاومة في السياق الفلسطيني المحتاج


وأن يصير بالضرورة تطوير الكفايات الإشرافية عملا تحرريا ، وأكاديميا علينا برفع جودة التعليم . أما اجتماعيا ، فعلينا صناعة أجيال قادرة على المواجهة بالوعي قبل الحجر .
الدرس الأهم بأن المدرسة ليست مصنعا لشهادات الحائط ، لأنها ورشة بناء الإنسان.

شاهد أيضاً

الأمن الوقائي والضابطة الجمركية في نابلس يضبطان شرائح إسرائيلية ممنوعة من التداول

الأمن الوقائي والضابطة الجمركية في نابلس يضبطان شرائح إسرائيلية ممنوعة من التداول

شفا – تمكّن جهاز الأمن الوقائي وبالتعاون مع جهاز الضابطة الجمركية في محافظة نابلس من …