1:42 صباحًا / 23 مايو، 2025
آخر الاخبار

من الرّقيب إلى الحافز ، رسالة رفعت الصبّاح وجلباب السؤال ، بقلم : نسيم قبها

من الرّقيب إلى الحافز ، رسالة رفعت الصبّاح وجلباب السؤال ، بقلم : نسيم قبها

من الرّقيب إلى الحافز ، رسالة رفعت الصبّاح وجلباب السؤال ، بقلم : نسيم قبها

قراءة في رسالة رفعت الصباح لدرجة الماجستير ( واقع امتلاك المشرفين التربويين للكفايات الإشرافية ، وعلاقتها بالمخرجات الاجتماعية للتعلم من وجهات نظر مديري المدارس والمعلمين في فلسطين)

هذه ليست دعوة للقراءة ، لأنها دعوة خطرة في الحقيقة ، وفي مدى خطورة تقديم رسالة الماجستير لرفعت الصباح في الإدارة والإشراف التربوي ، كانت أن دور الإبستمولوجيا في ( واقع امتلاك المشرفين التربويين للكفايات الإشرافية) هو دور طرح السؤال المتميز بالنظرة الحديّة المفتوحة على كل الذهنيات الدوغمائية منها ، والمنفرجة ، لنصل إلى ما يسبق السؤال الأول في ظل عالمٍ تتصارع فيه المناهج بين الحشو الأكاديمي وضرورات بناء الإنسان .


بالطبع لم يمهلنا الصباح طويلا في سؤاله الجوهري ، والذي قلّما يداهمه مغاير : كيف يتحول المشرف التربوي من “رقيب” إلى “حافز” لتعلمٍ يبني العقل والوجدان معاً؟


الوجدان الذي تم فصله بريغماتيا في منهجية التربية السوقية ، والتي يتم مغنطتها من حقل النيوليبرالية الاستهلاكية بقصد.


في فلسطين مثلا ومثالا ، حيث الحجر والتاريخ يُهدم كل يوم، لكن المدارس والتأريخ تظل تُبنى ، فالمدارس هي فعل قبل المبنى بالطبع ، ثم تأتي هذه الدراسة التي بزغت من فجر التجربة المشتبكة لرفعت الصباح تحديدا ، هذا الاشتباك في ممارسته التربوية العابرة للجغرافيا من خلال تجربته كرئيس للحملة العالمية للتعليم ، وللإئتلاف التربوي الفلسطيني ، ولمركز إبداع المعلم ، رئاسة تفتقر للسجاد الأحمر الحادّ للانطلاق ، لكنها رئاسة شعبية متخمة بالتفاعلات الإقليمية تربويا ، تأتي هذه الدراسة لتكشف عن “معجزة صامتة”: كيف يستطيع المشرفون التربويون – رغم شح الإمكانات – أن يكونوا حماةً للقيم الاجتماعية في التعليم؟. من خلال دراسة ميدانية و تحليل آراء 342 معلماً و15 مديراً، ومن بعدها نكتشف أن “الكفايات الإشرافية” ليست مجرد مهارات تقييمية جامدة ، بل أدوات تغيير حركي اجتماعي، تزرع قيم المواطنة الواعية ، والتعاون في كل حصة دراسية لا تعود .


هنا، حيث يتفوق المشرفون كسدنة التعليم الرسمي في “المعرفة” ويقصرون في “الابتكار”، وحيث يبرز حديثو التخرج كأكثر استجابة للتوجيهات القيمية غير المفطومة ، نضع أصبعنا على مفارقة تربوية مغايرة وواخزة : كلما زادت التحديات المجتمعية وهي تزيد بالطبع ، ازدادت حاجتنا إلى إشرافٍ لا يُعلّم الأطفال كيف ينجحون في الامتحانات في مدارس التحفيظ ، بل كيف يبنون وطنهم بإنسانيتهم في مساحات التعلّم .


وقعت ورقة رفعت الصباح على طاولة الحوار والسؤال في لجنة منبهرة اندهاشا مما خطّ ، لأنها ليست مجرد عرض لنتائج دراسة لنيل شهادة حائط ، بل نافذة على روح التعليم الفلسطيني المقاتل والديمومي ، و الذي يصرّ بإرادة في صناعة المعنى وسط الركام الدامي وتحته . فكيف يُحدث الإشراف التربوي هذا التحول كتحويل في التعليم ؟. وما الثمن الذي ندفعه باهظا عندما تتراجع كفايات الابتكار لدى المشرفين؟.


إن ارتفاع نسبة مستوى امتلاك المشرفين التربويين للكفايات الإشرافية ـ حسب الدراسةـ مع تفوق الكفايات المعرفية مقابل ضعف نسبي في كفايات البحث والابتكار ، يعني القرائية بشكلها المتبرج ، مع أنها أبرزت في النتائج دور المشرفين في تعزيز قيم المواطنة والتعاون عبر:
التواصل المباشر مع المعلمين والأسر ،
وتوجيه المناهج نحو بناء الشخصية ،
وغياب تأثير متغيرات الجنس والمنطقة مقابل تفوق فئات حديثي التخرج وقليلي الخبرة.


ولأجل هذا التسطّح المتقدم في كفاف دور المشرفين المتواضع نتاجا للحالة السياساتية في المنظومة التربوية ، أوصت ورقة الصباح ببرامج تطويرية تركز على الربط بين المخرجات الأكاديمية والاجتماعية ، في النضج العاطفي الانفعالي ، من خلال تعاطي للدراسة خارج عن النمطية المعهودة في نقاش لابسي الجلابيب.


ولأن الإطار النظري في الدراسة ، و الذي شرّح العلاقة بين الإشراف والمجتمع من خلال التعريف الديناميكي الذي اعتبر الاشراف عملية تفاعلية لبناء القدرات التعلمية والاجتماعية للمعلمين والطلبة ، كانت هذه الخطوة القاصمة لتعريف الاشراف المبتذل ، والذي لم يراعي تحولاته الجوهرية في أنسنة التعليم المتعاطي بالتشاركية الرافضة للسلطوية ، خاصة في ظل التحولات التكنولوجية النافذة لبناء بنية تحتية للتعليم الفاعل والفعّال .


لقد أكد الصباح من خلال المخرجات الاجتماعية لدراستة تبيان الوجه الخفي للعملية التعليمية في القيم والمهارات غير الأكاديمية التي يكتسبها المتعلم (المواطنة، العمل الجماعي) ، وآليات تأثير الإشراف فيها ، وبيّن أن نموذج الترشيح الاجتماعي في كيفية ممارسة المشرف دور “المرشح الثقافي” عبر انتقاء القيم في الزيارات الصفية و تحفيز المعلمين على توظيف المناهج في بناء الهوية ، ونظرية التعلم الاجتماعي ، حيث يصبح المشرف قدوة في الممارسات القيمية.


في تحليله لما سبق عبر السؤال: لماذا تتفوق كفايات على أخرى؟، أردف ، بأن الكفايات المعرفية المتصدرة تؤكد تركيز النظام التربوي الفلسطيني على الجانب الأكاديمي بسبب ضغوط الامتحانات الدولية ومحدودية الموارد الموجهة للبحث التربوي . اما ضعف الابتكارية في دراسته فكانت مؤشرا على ندرة الحوافز المادية للمشرفين المبتكرين ، مع مركزية القرارات التعليمية التي تقيد التجريب .


لقد أوصى الصباح نحو إشراف يبني المجتمع ، من خلال مبادرة “المشرف المبتكر” . وتخصيص 20% من وقت الزيارات الميدانية لتجريب أساليب تعزيز القيم. وإنشاء منصة إشراف اجتماعية تربوية ، ورقمنة تواصل المشرفين مع الأهالي عبر غرف نقاش شهرية ، وتقارير رقمية عن المخرجات الاجتماعية ، بالإضافة إلى إعادة هندسة البرامج التدريبية من خلال دمج وحدات عن الذكاء الاجتماعي في الإشراف و تحليل البيانات السلوكية للطلبة…

أخيرا فإن مقولة الصباح من خلال هذا النداء المشتعل ، بضرورة أن يغدو الإشراف التربوي كفعل مقاومة في السياق الفلسطيني المحتاج


وأن يصير بالضرورة تطوير الكفايات الإشرافية عملا تحرريا ، وأكاديميا علينا برفع جودة التعليم . أما اجتماعيا ، فعلينا صناعة أجيال قادرة على المواجهة بالوعي قبل الحجر .
الدرس الأهم بأن المدرسة ليست مصنعا لشهادات الحائط ، لأنها ورشة بناء الإنسان.

شاهد أيضاً

شهداء وجرحى في غارات الاحتلال المتواصلة على قطاع غزة

شفا – استشهد أربعة مواطنين وأصيب وفقد آخرون، الليلة، في غارة شنتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي …