
شفا – تأتي قمة بريكس الـ17، التي تُعقد في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية يومي الأحد والاثنين، في وقت تتزايد فيه التقلبات العالمية. وفي خضم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والتجزؤ الاقتصادي، يُنظر بشكل متزايد إلى مجموعة بريكس كمصدر للاستقرار واليقين.
وما يميز مجموعة بريكس هو إطارها الشامل والتعاوني المصمم خصيصا لتلبية احتياجات الاقتصادات الناشئة، وخاصة تلك التي تنتمي إلى الجنوب العالمي وتسعى إلى فرص تنموية أكثر عدالة.
وتماشيا مع موضوع قمة هذا العام الذي يحمل عنوان “تعزيز التعاون بين دول الجنوب العالمي من أجل حوكمة أكثر شمولا واستدامة”، عملت مجموعة بريكس على تعزيز صوت الدول التي لطالما هُمشت في عملية صنع القرار العالمي. وهذا جعلها قوة داعمة للاستقرار في عالم يزداد انقساما.
إن توسع مجموعة بريكس يعد قفزة نوعية في مستوى تمثيلها وتأثيرها. ففي يناير من هذا العام، انضمت اندونيسيا، أكبر اقتصاد في الآسيان، رسميا إلى مجموعة بريكس. واليوم، تمثل دول مجموعة بريكس أكثر من نصف سكان العالم، وقرابة 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 50 في المائة من النمو الاقتصادي العالمي. وهذا يعني تحولا تاريخيا في ثقل الجنوب العالمي من أطراف الساحة الدولية إلى مركزها.
والواقع أن مجموعة بريكس بحلتها الموسعة وجاذبيتها المتزايدة وتمثيلها الأقوى وانتشارها الجغرافي الأوسع، تعمل الآن على إعادة تشكيل المشهدين السياسي والاقتصادي العالميين. كما يؤكد تنوعها المتنامي على التزامها بالشمول ودورها كممثل حقيقي للجنوب العالمي.
لقد سلط تعاون مجموعة بريكس الموسعة الضوء على الأولويات التنموية للاقتصادات الناشئة وشجع على حوار قائم على قدم المساواة. ويعكس ذلك توافقا متزايدا على أن الحلول متعددة الأطراف الفعالة لابد أن تشتمل على مجموعة أوسع من الأصوات، لا سيما تلك التي كانت مستبعدة من قبل.
ومن الناحية العملية، قدمت مجموعة بريكس نموذجا تنمويا واعدا وعمليا للدول النامية من خلال مبادرات تركز على الاستثمار في البنية التحتية، ونقل التكنولوجيا، والتكامل المالي. وبالنسبة للعديد من دول الجنوب العالمي التي تواجه تحديات في البنية التحتية، وانعدام الأمن الغذائي، والهشاشة المناخية، تقدم مجموعة بريكس دعما تمس الحاجة إليه في وقت عجزت فيه دول أخرى عن ذلك.
والأهم من ذلك أن مجموعة بريكس تشكل أيضا صوتا جماعيا ينادي بالعدالة والإنصاف في الحوكمة العالمية، إذ تدعو إلى التقدم المشترك والاحترام المتبادل والمساواة في السيادة، فيما تعارض بشدة تكوين “تكتلات صغيرة” حصرية.
وتلتزم دول بريكس بممارسة التعددية الحقيقية، ودعم النظام الدولي الذي تمثل الأمم المتحدة نواته، فضلا عن دعم وتعزيز النظام التجاري متعدد الأطراف الذي تمثل منظمة التجارة العالمية مركزه.
وفي إطار منصات مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين، عززت دول مجموعة بريكس التواصل السياساتي، ونسقت مواقفها، ودفعت بشكل بناء إصلاح نظام الحوكمة العالمية. وقد ساهم ذلك بشكل كبير في تعزيز صوت الدول النامية، وقدرتها على تحديد جدول أعمالها وتأثيرها في صياغة القواعد الدولية.
ومع وجود بيئة عالمية متزايدة التعقيد، تواصل مجموعة بريكس من خلال تركيزتها على بناء التوافق وتحقيق التعاون العملي، ضخ المزيد من العدالة والإنصاف واليقين في النظامين الاقتصادي والسياسي الدوليين.
في جوهرها، تتطلع مجموعة بريكس إلى عالم أكثر إنصافا، عالم تكون فيه التنمية شاملة للجميع، وتشكل فيه أصوات الغالبية، لا القلة فقط، ملامح المستقبل.