
توظيف التعليم المدمج في العملية التعليمية (ميزات، آليات، واقع وتحديات) بقلم : نور كرزون
أفرزت التطورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا العديد من أساليب التدريس التي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستخدام التقنية بأشكالها المتعددة في التعليم المدرسي؛ لإكساب الطلبة مهارات القرن الحادي والعشرين، ولتحقيق معايير الجودة العالمية في العملية التعليمية. ومن هذه الأساليب التعليم المدمج (Blended Learning) الذي يعتبر أحد أقسام التعليم الإلكتروني، يتطلب استخدام التقنية في العملية التعليمية التعلُّمية بشكل جزئي؛ حيث يقوم على استخدام الوسائط الإلكترونية والمستحدثات التكنولوجية في جزء من أنشطة التعلم التقليدي في الغرفة الصفية.
أظهرت العديد من الدراسات العلمية والتربوية فاعلية توظيف التعلم المدمج في عدة جوانب ومنها: تحسين التحصيل الدراسي، وتنمية مستوى الدافعية ورفع الاتجاهات الإيجابية نحو التعلُّم أكثر من الأسلوب التقليدي، ويتميز التعليم المدمج بالعديد من الخصائص فهو يُخاطب أكثر من حاسّة، يُساهم في جذب انتباه الطلبة، يراعي الذكاءات المتعددة، يُعزز مشاركة الطلبة، ويَدعم تفاعلهم، ويُحافظ على إيجابيتهم، بالإضافة إلى وفرة وتنوع المعلومات التي يمكن أن يكتسبوها من خلاله سواءً معارف أو مهارات تُثري خبراتهم وتُشجعهم على الإبداع، كما يتسم التعليم المدمج بمرونة توظيف أنشطته في الغرفة الصفية؛ حيث يمكن الموازنة بينها وبين الأنشطة التقليدية بما يراعي الفروق الفردية بين الطلبة ويُنمي مهارات التفكير العليا مثل التخطيط والمراقبة وتنظيم التعلّم.
تتعدد الطرق التي يمكن من خلالها توظيف التعلم المدمج في العملية التعليمية، وتتعدى تشغيل الأجهزة الملحقة بالحاسوب من سماعة وجهاز العرض، لتشمل مجموعة من الآليات ومنها: استخدام شبكة الإنترنت، واليوتيوب، والدروس المتاحة عبر الانترنت، والمنصات التعليمية المختلفة؛ لإثراء المواد التعليمية وتعزيز تعلم الطلبة، داخل وخارج الغرفة الصفية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والصفوف الافتراضية، بالإضافة إلى توظيف برامج ميكروسوفت وجوجل لبناء العروض التقديمية وإنشاء المستندات والنماذج وتصميم أوراق العمل والإختبارات بانواعها، بالإضافة إلى تصميم واستخدام أنشطة وألعاب تعليمية إلكترونية باستخدام برامج ومنصات تعليمية تخصصية في المواد الدراسية المختلفة، وتوظيف أدوات عرض تفاعلية مثل المختبر الافتراضي والشاشة التفاعلية في العملية التعليمية. كما ظهرت مؤخرا منصات الذكاء الاصطناعي التي تستخدم تقنيات تدعم عملية التعليم والتعلم، وتُمكّن المعلمين والمتعلمين من الاستفادة منها في العديد من مجالات التعليم المدرسي.
من جانب آخر يتعلق بواقع توظيف التعليم المدمج في المدارس الفلسطينية، فقد أقرت الحكومة الفلسطينية سياسة رقمنة التعليم في العام 2015؛ لتعزيز التعليم الرقمي، ومواكبة حالة التعليم التقدمي التي يتجه إليها العالم في ضوء عملية التطوير ومواجهة الأزمات، ليصبح التعليم الرقمي جزءًا أساسيا من الحياة التعليمية كما الوجاهي. ومن الجدير بالذكر أن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بدأت قبل إقرار سياسة الرقمنة بتحسين نوعية التعليم بالتركيز على توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات(ICT)، من خلال مبادرة التعلم الإلكتروني التي انطلقت عام 2004م، في إطار تطبيق مشاريع مختلفة تركز على المكونات الأساسية لتوظيف (ICT) في التعليم والتي تتمثل في: البنية التحتية والمحتوى الإلكتروني، وبناء القدرات.
وعند إلقاء نظرة أكثر تعمقا على المدارس الحكومية من ناحية تفعيل أنشطة وأدوات التعليم المدمج فإن هناك تباينا واضحا وفروقات كبيرة بينها، ففي الوقت الذي نرى فيه مدارس تفعّل دور الروبوت وبرامج الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية، نرى مدارس أخرى لا يتوفر فيها الحد الأدنى من مقومات التعليم الإلكتروني وهو البنية التحتية اللازمة لتفعيله من أجهزة وشبكات. ومن ناحية أخرى، تتوفر الكوادر المؤهلة تكنولوجيا وتقنيا في بعض المدارس وتفتقر مدارس أخرى لتلك الكوادر مما يمنع استخدام الأجهزة الإلكترونية ويعرقل توظيف الأنشطة الإلكترونية في التعليم.
وفيما يتعلّق بالتحديات التي تواجه توظيف التعليم المدمج في العملية التعليمية فهي متعددة، ولعلّ التحدّي المادي هو أبرزها؛ لتأثيره المباشر على توفير البنية التحتية من شبكات الاتصالات والإنترنت داخل المدارس، وأجهزه حاسوب والمعدات اللازمة لتفعيل الأنشطة الإلكترونية في الغرف الصفية، فعندما لا يتم تخصيص نسب مناسبة من الميزانيات على مستوى الوزارة أو على مستوى المديريات أو المدارس لرفع مستوى البنية التحتية للتعليم الإلكتروني في المدارس، فإن المناداة بالتوجه نحو رقمنة التعليم يبقى قيد الخطط الاستراتيجية، ولذلك هناك مسؤولية ملقاة على عاتق المؤسسات المختلفة الخاصة والعامة في تمويل ودعم المشاريع التي تساهم في النهوض بمستوى البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المدارس، وتحقق الاستدامة والعدالة والمساواة، بما يقلل الفجوة بين المدارس الفقيرة والغنية، وبين المدارس المركزية والنائية.
ومن ناحية أخرى، فإن المحتوى الإلكتروني يشكّل تحديا إضافيا في توظيف التعليم المدمج، فبالرغم من توفر محتوى إلكتروني ضخم، وتطوير كتب وأنشطة إلكترونية، وبناء بوابات تعليمية مختلفة، تساهم في توفير بيئة غنية للتواصل بين مختلف الفئات ولتوفير محتوى تعليمي يخدم التعليم المدمج، إلا أنّ ذلك المحتوى لا يُستخدم بكفاءة، وذلك لعدة أسباب ومنها: عدم تضمين ذلك المحتوى في كتب المنهج الفلسطيني أو الأدلة ليشكل مرجعية تنظم العمل عليه، عدم وجود القناعة لدى عدد من المعلمين بجدوى وأهمية هذا المحتوى الذي يشكّل قلب التعليم المدمج في العملية التعليمية، عدم تلقي المعلمين للتدريب والتأهيل اللازم لتوظيف أنشطة ذلك المحتوى في العملية التعليمية، عدم وجود متابعة وتقييم حقيقي لتطبيق ونجاعة البرامج التدريبية التي يتم تنفيذها للمعلمين في هذا المجال، عدم وجود حوافز للمعلمين لاستخدام المحتوى الالكتروني وأنشطة التعليم المدمج، بالإضافة إلى عدم توفر متخصصين للدعم الفني في مجال توظيف التعلم الإلكتروني في المدارس. وهناك تحدي آخر يتعلّق بتقبل أولياء الأمور لتفعيل هذا النوع من الأنشطة ودعم المعلمين والإدارات المدرسية، التي توظّفها سواء أكانت صفية أو غير صفية تعزّز وتثري العمليَّة التعليمية التعلُّمية.
ختاما، اتفقت الدراسات على أهمية التعليم المدمج في العملية التعليمية، والإمكانيات الكبيرة التي يمكن أن يوفرها لدعم تعلُّم الطلبة وتحسين التحصيل والاحتفاظ بالتعلُّم والتعلُّم الذاتي، ورفع اتجاهاتهم ودافعيتهم نحو التعلُّم، بما يساهم في استدامة التعلُّم. ولذلك يجب على المؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المحلي والداعمين مضافرة الجهود، وتوفير الاحتياجات التكنولوجية للمدارس كافة والمدارس الفقيرة والنائية بشكل خاص، وتوفير متخصصين في الدعم الفني للمدارس بحيث يتنقلون بشكل دوري بين المدارس لفحص الأجهزة والأدوات وإجراء الصيانة المناسبة لها.
والعمل على تأهيل وإعداد المعلمين تربويا وعلميا وتقنيا وتكثيف الدورات وورشات العمل التي تخدم الموضوع، مع توفير متابعة وتقييم حقيقي للمعلم فيما يتعلق بتوظيف أنشطة التعليم المدمج، بحيث ينعكس على تقييم الآداء السنوي الخاص به، بالإضافة إلى توعية الأهل بضرورة الاستفادة من التكنولوجيا في العملية التعليمية.