5:20 صباحًا / 2 يوليو، 2025
آخر الاخبار

“الدكتور شعبان عياط ، علمٌ يتلألأ تواضعًا وعطاءً” ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

“الدكتور شعبان عياط… علمٌ يتلألأ تواضعًا وعطاءً” ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات


حينَ يتجسّدُ العلمُ في هيئةِ إنسان، وحينَ يُتوّجُ التواضعُ بهالةٍ من النبلِ والعطاء، نجدُ أنفسَنا أمامَ شخصياتٍ استثنائيةٍ تتركُ في القلوبِ بصمةً لا تزولُ، وتجعلُ من المعرفةِ جسرًا يصلُ بينَ العقولِ والقلوبِ قبلَ أن يكونَ مجردَ تلاقٍ للأفكارِ والنظريات. ومن بينِ هذه الشخصياتِ التي كتبَ لي القدرُ أن أتعرفَ عليها، كانَ الدكتور شعبان عياط، رجلُ العلمِ والتواضعِ والخلقِ الرفيع.

لم يكن لقائي الأولُ به لقاءً عاديًّا، بل كان صدفةً حملتْ في طيّاتها معنىً عميقًا عن جوهرِ العطاءِ وحقيقةِ الإيثار. فقد وصلتني ذات يومٍ رسالةٌ من زميلةٍ تحتاجُ إلى استشارةٍ حولَ التحليلِ النوعيِّ في بحثِها العلميِّ، وكانتْ تبحثُ عن شخصٍ يستطيعُ أن يرشدَها إلى الطريقِ الصحيحِ. فدلّتني إحدى الزميلاتِ على الدكتور شعبان عياط، وأخبرتني أنّه من القلائلِ الذين لا يبخلونَ بعلمِهم، ولا يُغلِّقونَ أبوابَهم أمامَ من يحتاجُ إليهم.

وبدافعِ الفضولِ قبلَ الحاجة، قرّرتُ أن أتصلَ به، متسائلةً في داخلي: هل سيكونُ مثلَ أولئك الذين يضعونَ علمَهم في أبراجٍ عاجيةٍ، لا يُتاحُ إلا لمنْ حملَ لهم مصلحةً مقابلة؟ أم سيكونُ مختلفًا، كما قيلَ عنه؟ وما إنْ أجابَ على اتصالي حتى بدا لي جليًّا أنّني أمامَ إنسانٍ من طرازٍ نادر.

كانَ حديثُه لطيفًا، وإجاباتهُ واضحةً وصادقةً، لا تشعرُ وأنتَ تُحدّثُهُ أنّك تسألُ دكتورًا جامعيًّا، بل صديقًا يُنصِتُ إليكَ باهتمامٍ، ويُجيبُكَ بكلِّ محبةٍ، وكأنّ الأمرَ يعنيهِ شخصيًّا. لم يتردّدْ لحظةً في تقديمِ المساعدةِ، ولم يُظهرْ أيَّ تذمّرٍ أو تململٍ، بل على العكس، راحَ يشرحُ ويوجّهُ كأنّهُ يرى في ذلكَ رسالةً أكثرَ من كونهِ مجرّدَ استفسارٍ عابر.

وتمرُّ الأيامُ، ويشاءُ اللهُ أن تتبدّلَ الأدوارُ، فكما كنتُ أنا من تواصلتُ معه في المرةِ الأولى لطلبِ مساعدةٍ لزميلتي، كانَ هو من تواصلَ معي هذه المرة، لكنْ ليس لأمرٍ شخصيٍّ، بل للاستفسارِ عن بعضِ الإجراءاتِ المتعلقةِ بمناقشةِ رسالتِهِ للدكتوراه. وأيُّ شرفٍ ذاكَ أن يُشارككَ أحدُهم رحلتَهُ العلميةَ، ويأتمنُكَ على تفاصيلَ من مسيرتِه الأكاديميةِ؟

جاءَ من أريحا إلى جنين، قاطعًا المسافاتِ بروحِ الباحثِ المتعطّشِ للعلمِ، والمجدّ في سبيلِ المعرفةِ. كنتُ أراهُ مثالًا حيًّا للباحثِ الحقيقيِّ الذي لا يتركُ شيئًا للصدفةِ، بل يتقصّى، ويسألُ، ويدقّقُ، ويسعى للوصولِ إلى أقصى درجاتِ الإتقان. كنتُ أتابعُ أسلوبَهُ في البحثِ وأندهشُ من دقّتِه وحرصِه، فقد كانَ شخصًا لا يقبلُ بأنصافِ الحلولِ، ولا يرضى بغيرِ التميّزِ عنوانًا لبحثِه.

رأيتُ فيهِ ذلكَ الشغفَ النادرَ الذي يجعلُ من البحثِ العلميِّ رحلةً ممتعةً أكثرَ من كونِها متطلبًا أكاديميًّا. كانَ مثالًا يُحتذى بهِ، ليسَ فقط في علمِهِ، بل في أخلاقِهِ وتواضعِهِ الجمِّ، وكأنَّهُ يُبرهنُ للعالمِ أجمعَ أنَّ العلمَ الحقيقيَّ لا يزيدُ الإنسانَ إلا تواضعًا.

حينَ أنظرُ إلى هذه التجربةِ، أشعرُ بامتنانٍ كبيرٍ لأنَّ الحياةَ أهدتني فرصةَ التعرّفِ إلى قامةٍ علميةٍ سامقةٍ مثلَ الدكتور شعبان عياط، رجلٌ يستحقُّ أن تُرفعَ لهُ القبعاتُ احترامًا، ويُسجَّلَ اسمُهُ بأحرفِ النورِ في سجلِّ الباحثينَ المتفانينَ. وإن كانَ لكلِّ إنسانٍ أثرٌ، فإنَّ أثرَهُ سيبقى خالدًا في ذاكرةِ كلِّ من عرفهُ أو تلقّى منهُ كلمةً أو استفادَ من علمِه.

فهنيئًا للعلمِ بأمثالِه، وهنيئًا لنا بمعرفته، وهنيئًا لكلِّ من سارَ في دربِه، فمعهُ كانَ للعلمِ طعمٌ آخر، وللأخلاقِ رونقٌ أجمل، وللعطاءِ معنىً أعمق!

شاهد أيضاً

بلجيكا والصين تتعهدان بتعميق العلاقات وتعزيز الثقة المتبادلة

بلجيكا والصين تتعهدان بتعميق العلاقات وتعزيز الثقة المتبادلة

شفا – التقى رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر وزير الخارجية الصيني وانغ يي اليوم …