
الفدائي… حين يتحوّل الأداء إلى وطنٍ ينهض من تحت الأقدام ، بقلم : العميد لؤي إرزيقات
في ليلةٍ كرويةٍ لم تكن مجرّد مباراة، بل كانت مرآةً صافية تعكس ملامحنا، نبض قلوبنا، ورفعة الوطن الذي يسكن أرواح أبنائه… وقف الفدائي الفلسطيني أمام المنتخب السعودي الشقيق، لا يحمل كرةً تُركل، بل يحمل ذاكرة وطن مثخن بالجراح، وأحلام شعب يترقّب لحظة صدق يفرح فيها دون خوف أو انتظار. قد تخسرُ الأرقام على الورق، وقد تميل نتيجةٌ لصالح فريقٍ أقوى أو أكثر استعداداً، غير أنّ الروح… تلك الروح التي تولد مع الفلسطيني وتكبر معه، لا تنحني، ولا تستسلم، ولا تعرف طريق الهزيمة.
لقد لعب أبطالنا كما لو أنهم يسطرون فصلاً جديداً من رواية فلسطين، رواية عنوانها: “قد نخسر نتيجة… ولكنّنا لا نخسر الهوية.” وقفوا على العشب الأخضر بقلوبٍ خضراء أكثر نقاءً من الأرض نفسها، قلوبٍ عامرة بالإيمان، متقدة بالعزيمة. لم يرتدوا القميص الوطني فقط، بل ارتدوا ذاكرة الشهداء، ثبات الأسرى، دموع الأمهات المنتظرات، وتنهّدات الآباء الذين يعرفون معنى أن تُرفع راية الوطن ولو كان الثمن كل شيء.
كل خطوةٍ لهم كانت حجراً نُلقي به في وجه الهزيمة، وكل تمريرة كانت رسالة صريحة تقول: “نحن هنا… رغم كلّ ما يحاصرنا.”
اليوم لم يهتز الفدائي إلا قوّة، ولم يتراجع إلا لينهض أعلى، ولم يركض إلا ليكتب على العشب جملة لا تُمحى:
“نلعب من أجل فلسطين… لا من أجل الأرقام.”
كانت فلسطين كلّها تراقب: من المخيمات المكتظة، من البيوت المتعبة، من المنافي البعيدة، ومن قلب الحصار الخانق. وكل فلسطيني رأى في هذا الأداء وعداً جديداً بأن الرياضة ليست لعبةً تُخاض لتُنسى، بل مرآة لكبرياءٍ حاول العالم مراراً أن يطفئه… فلم يستطع.
ورغم الخسارة، ارتجف الوطن فخراً؛
ارتجف عندما رأى لاعباً يقاتل على كرة كأنها آخر ما تبقّى له من الأرض،
وعندما رأى آخر يرفع رأسه رغم قسوة النتيجة،
لأنه يعرف أن الرفعة ليست للنتيجة… بل للعلم الذي يخفق فوق قلبه.
ذلك العرق الذي سال على جباههم لم يكن تعباً، بل كان وضوء شرف، وصلاة صادقة للوطن.
في كرة القدم، كما في الحياة، لا يُقاس الفوز بالأرقام وحدها.
الفوز الحقيقي هو أن تُبقي اسم وطنك في السماء،
وأن تُثبت أنك ابنٌ له في كل نبضة، وكل خُطوة، وكل نظرة ترتفع نحو السماء تطلب العون والانتصار.
واليوم، الفدائي لم يخُض مباراة…
بل قدّم درساً وطنياً خالداً:
“نحن لا نُهزم… ما دمنا نقاتل بصدقٍ وإيمان.”
كان الأداء أشبه بزغرودة فرحٍ تضيء بيتاً أنهكه التعب،
وكان أشبه بنسمة عزّ تمرّ على روح وطن أنهكته الجراح.
كرة القدم هكذا: يومٌ يُصافحك الفرح، ويومٌ يشدّ عليك الحزن…
لكن الروح الفدائية هي ما تُبقي الإنسان واقفاً مهما انطفأت حوله الأضواء.
اليوم كسب الفدائي احترام الجميع…
وكسب قبل ذلك قلوبنا كلّها.
أما فلسطين، فقد ربحت فريقاً يعرف كيف يحوّل القميص إلى رسالة،
وكيف يجعل من العطاء سجلاً لا يُشترى ولا يُباع…
شكراً يا فدائي…
رفعتم الرأس عالياً، وزرعتم أثراً جميلاً في وجدان الوطن.
ووعداً… سنعود أقوى،
لأنّ فلسطين تستحق دائماً الأفضل،
وتستحق رجالا يشبهونكم… في صدقكم وروحكم وعطائكم.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .