
شفا – في صباح يوم أمس، الموافق السادس من كانون الأول لعام 2025، استضافت بلدية البيرة بالشراكة مع مبادرة “نلتقي لنرتقي” الكاتب والروائي والمفكر م. محمد نبيل كبها “عضو الإتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، والعرب والإتحاد الدولي للمثقفين العرب ومنتدى الكتاب العربي”، وذلك لمناقشة روايته (موسكولوس).
تندرج رواية موسكولوس تحت أدب الجريمة، وتدور أحداثها حول مجموعة من المحاور الإنسانية والاجتماعية العميقة، أبرزها:
الطفل نعمان (موسكولوس) الضحية الأولى للعائلة والمجتمع بسبب اختلافه البيولوجي المتمثل بحجمه الذي يفوق المعدل الطبيعي.
عقوق الآباء لأبنائهم، كظاهرة اجتماعية خطيرة تترك أثرا مدمرا في بناء الفرد وأركان المجتمع.
التنمّر والقسوة، وكيف يمكن لهما أن يساهما في خلق الانحرافات والاضطرابات النفسية والاجتماعية.
وقد كانت الجلسة ثرية وحافلة بالنقاشات القيمة؛ إذ تطرق الكاتب والمفكر محمد نبيل كبها إلى عدة جوانب علمية واجتماعية ودينية في أجواء ثقافية دافئة. كما قامت السيدات بطرح تساؤلات معمقة، وتبادل الأفكار المتنوعة مع الكاتب حول محاور الرواية ورسائلها.
والجدير بالذكر أن الكاتب والمفكر محمد نبيل كبها يمتلك ثلاثة عشر مؤلفا تتنوع بين الرواية والقصة القصيرة والكتابات الفكرية والعلمية والفلسفية في مجالات مختلفة.
أمّا عن مبادرة نلتقي لنرتقي، فهي مبادرة نسائية أُنشئت عام 2024، وتهدف إلى خلق مساحة ثقافية تُعنى بالقراءة والنقاش، من خلال قراءة كتاب شهريًا ومناقشته في اجتماعات دورية، وهي تضم عشر سيدات: “د. عفاف نجاجرة، م. ريم غانم، أ. هنادي شتية، م. شروق عبد المجيد،أ. سندس خالد، أ. زينة عرفات، م. آية عبد الناصر، أ. صفا داوود، أ. فائدة خواجا، أ. آفاق شديد”، وبالإضافة إلى عضوات المبادرة، حضرت نخبة من السيدات المهتمات بالمجال الثقافي لمناقشة رواية موسكولوس، وهن: “آية شويكي، آمنة صوافطة، هبة بلبيسي، نهال ياسين، آية أبو الروس، نجاح حامد، حنان الديك، منال الناطور”.
وكان التفاعل الفكري بين السيدات والكاتب والمفكر محمد نبيل كبها ثريا وممتعا، حيث قدمت بعض الحاضرات مراجعات متنوعة للرواية، مبنية على قراءاتهن الخاصة ورؤيتهن للرسالة التي تحملها، وفي ذلك كتبت ريم غانم:
تندرج رواية موسكولوس ضمن أدب الجريمة، إلا أن القارئ يجد نفسه أمام جملة من الأسئلة حول ماهية الجريمة الحقيقية في هذا العمل:
هل هي جريمة الرجل الذي كوّن بيديه بذرة قاتل متسلسل دون أن يمنحه معنى الأبوة؟
أم هي جريمة الابن الذي وجد نفسه ضحية مجتمع لم يتقبله يوما؟
“موسكولوس” هو اللقب الذي أطلقه ذلك الرجل على الطفل الذي رباه، نظرا لضخامة حجمه التي تجاوزت المعدل الطبيعي. وقد استخدمتُ كلمة الرجل ولم أقل الأب أو الوالد، لسبب سيعرفه من يقرأ الرواية.
تقدم الرواية سيرة طفل منبوذ، لا لذنب ارتكبه، بل لمجرد اختلاف بيولوجي جعله مادة للسخرية في كل مكان. وقد نجح الكاتب في تسليط الضوء على العالم الداخلي لموسكولوس: مشاعره، محاولاته لردع الشر داخلَه، وصراعه الدائم ليتماسك.
لكن التحول الحقيقي لم يحدث فقط بسبب التنمر أو العزلة؛ بل بدأ عندما اكتشف حقائق صادمة عن حياته لم يكن يعرفها.
تلك اللحظة كانت الشرارة التي قلبت ميزان داخله، وأسقطت ما تبقّى من مقاومته. عندها، لم يعد الطفل يحاول النجاة… بل صار يبحث عن الانتقام من كل من شارك في تشويه وجوده.
تظهر في الرواية أيضا ثلاثية ماكدونالدز كمتلازمة نفسية مؤثرة، إلى جانب الهلوسات المرتبطة بشخصية المسيح، والتي أدت دورا في توجيه سلوكه وإرباكه الداخلي. هذا البناء النفسي المعقد منح الشخصية أبعادا إضافية، وجعل مسارها أكثر إقناعا حتى في ذروات العنف.
أدخل الكاتب جملة من المعلومات العلمية داخل السرد، وهذه نقطة تحسب له من جهة إثراء المحتوى، وقد تحسب عليه من جهة الإسهاب عند قرّاء الرواية التقليدية. أما بالنسبة لي، فأرى أن لكل كاتب بصمته، وأن هذه التفاصيل شكلت جزءا من هويته السردية.
في النهاية يحكم على موسكولوس بالإعدام لقتل ذلك الرجل.
وهنا يصبح السؤال: هل القانون يعاقب الجريمة المادية فقط؟ أم يجب أن يحاكم أيضًا من كان السبب في ولادة الجريمة، حتى وإن كان الضحية نفسها؟
برأيي، نجح الكاتب في نقل مشاعر الإنسان المظلوم، وفي إظهار كيف تتضاعف الجروح حين لا يجد صاحبها يدا تمتد إليه. استخدم أسلوب المونولوج الداخلي بمهارة، وابتعد عن السرد المباشر، تاركا للقارئ مساحة واسعة ليستنتج التفاصيل بنفسه من خلال إشارات دقيقة وزرع محسوب.
ويبقى السؤال الأكثر وجعا بعد إغلاق الرواية:
“هل يولد المجرم مجرما؟ أم أننا نحن من نصنعه؟”
وهذه بعض المراجعات حول الرواية، حيث كتبت “آفاق شديد” تقول:
«موسكولوس» رواية تغوص في أعماق نفسٍ جُرحت منذ الطفولة، لتكشف كيف يصنع الإهمال الأسري والأذى المتراكم إنسانًا مُشوَّه الروح يبحث عن معنى واعتراف في الطرق الخطأ. هي حكاية عن طفل وُلد نقيًا، ثم أخذته القسوة بعيدًا عن فطرته، لتقدّم الرواية رسالة مؤلمة عن أثر التربية، وضرورة الرحمة، وكيف يمكن لجراح الطفولة أن تُغيّر مصير إنسان بالكامل.
أما “هنادي شتية”، فقد كتبت ما يلي:
“أظهرت الرواية جانباً مهماً في حياتنا الأسرية ويمارس بشكل طبيعي بدون وعي منا وهو مسؤولية الأسرة تجاه أبنائهم ، وتقبل اختلافهم، والايمان بأن الاختلاف ليس نهاية العالم، والعقل الباطن له دور فاعل فى هذا المحور، فالقبول الذاتي يتشكل داخل العقل البشري ليوصله بالنهاية الى طبيعة التعامل مع الحالةإما بالتقبل والاحتواءأو بالعنف والإقصاء.
رواية موسكولوس صرخة من الاعماق تسلط الضوء على ضحايا في هذا المجتمع فئات مهمشة لا أحد يذكرهم ولم يختاروا مصيرهم.
هذه الصرخة في الرواية شكلت مجرماً متسلسلاً صنعته بيئته. صورة نفسية مؤلمة. ملف حساس يظهر جانب من عقوق الآباء لابناهم وكيف للظروف القاسية أن تشكل مجرماً من نعومة أظافره.”
وكان لسندس خالد رأيها فيها فكتبت:
“موسكولوس رواية في ادب الجريمه ليست مجرد رواية؛ إنها مرآة لروح صغيرة تكسّرت باكرًا.
تحكي عن طفل طاهر بريء، جاء إلى الدنيا بقلب مليء بالبراءة، لكن يد القسوة امتدت إليه قبل أن يعرف معنى الحماية. خطوة بعد خطوة، يصبح ما فيه من وجع أثقل من أن يُحتمل، فينحرف عن طريقه باحثًا عن معنى، عن حضن، عن كلمة كان من الممكن أن تنقذه
الرواية ملخصها الآتي:
تفضح صمت البيوت، وإهمال الآباء، والجراح التي لا تُرى تلك التي تتحوّل مع السنين إلى وحوش داخل الإنسان. «موسكولوس» صرخة تقول إن الطفولة ليست مرحلة عابرة… بل قدر كامل يُعاد تشكيله بالحنان أو القسوة”
كما قامت “صفا داوود” بكتابة مراجعتها:
“موسكيلوس رواية تُقرأ بالقلب قبل العقل، تعطيك مساحة للتأمل ولتذكّر الأشياء التي ظننت أنك نسيتها، وهي رواية ستمنح كل قارئ قراءة مختلفة، لأنها رواية عن الداخل عن المساحات التي لا نسمح للآخرين برؤيتها
رواية موسكيلوس تنتمي إلى ذلك النوع النادر من الأعمال التي تجعل القارئ يشارك في كتابتها دون أن يدري.
ليست رواية تقدّم لك عالمًا جاهزًا، بل تمنحك مساحة واسعة لتملأها أنت بتجاربك وقراءاتك الداخلية. ولهذا فإن تلقيها يختلف من قارئ لآخر بشكل كبير.
وتقدّم للقارئ حالة قراءة، أكثر من حكاية.
هي رواية ستبقى فيك بعد آخر صفحة، لأنها لا تخبرك كل شيء، بل تتركك تكمل ما نقص منها داخل نفسك”
وكتبت فيها “آية شويكي” تقول:
“شعوري بعد قراءة رواية موسكولوس ما كان حلو نهائيا وبخوف ما كنت اتخيل انو ممكن التنمر والانتقاد السلبي يخلق شخص مجرم كنت بعتقد انو ممكن يأثر نفسيا يعمل ، عدم ثقة بالنفس اوانطواء اضطراب نفسي، بس يمكن اذا دققنا بالحياة نلاقي هاد تطور معقول لتراكمات كبيرة من الشعور ب كسرة النفس و الاهانه والظلم مرة عمرة بتخلق انسان وحش ، يمكن بصير الشخص بحاجه ليخلق ميكانيزم دفاعي او يلبس قناع الوحش عشان ما حد يئذي اكتر ..
وعندي قناعه انو كل شي باوله سهل ، هو ببلش بس انك تكسر الحاجز الاولي بتلاقي حالك اتماديت وبطل الاشي عندك غريب او مش طبيعي ، وهاد الي صار ممكن مع شخصيه الروايه الرئيسيه….
هاي الروايه بتحط علينا احنا كأشخاص واعيين مسؤوليه بانو نحب ولادنا زي ما همي ونكون حريصين بطريقه توجيه النقد الهم و نعلمهم المحبه الخالصه انهم يطلعو عالقلب اكتر ما يطلعو عالشكل وانهم يحبو لغيرهم الي بحبو لحالهم وبما اني ما بحب حد يئذيني بكلمه ما راح أئذي حدا”
وكانت هذه المراجعة الأخيرة ل ” اية عبدالناصر ” حيث كتبت تقول:
موسكولوس للكاتب محمد كبها
كتاب يغوص في المشاعر الصعبة والأحاسيس المؤلمة التي يعجز اللسان عن وصف بشاعتها. مشاعر لا تُرى بالعين المجرّدة، لكنها تتراكم بصمت، تتخمّر، ثم تنفجر في لحظة واحدة لتدمّر كل ما حولها. وكلٌّ ينال عقابه، فلا أحد ينجو. لذلك على كلّ واحد منا أن يفكّر جيدًا قبل أي تصرّف أو كلمة، فربما تثور عليه تلك الكلمة يومًا ما، كما فعلت كلمات الأب في حياة ابنه، ولو بعد حين.
يركّز الكتاب على بساطة بعض التصرفات مع الأبناء؛ تلك اللمسات الصغيرة القادرة على رفعهم إلى عنان السماء، أو رميهم في الهاوية. تفاصيل بسيطة تستطيع أن تُصلح إنسانًا لا حول له ولا قوة، وغيابها قد يحوّله إلى شبح… أو قاتل.
وفعلًا، أولادنا صناعتنا… وأفعالهم انعكاس لتربيتنا.
وفي ختام اللقاء، أعرب الكاتب والروائي والمفكر محمد نبيل كبها عن سعادته بوجود سيدات واعيات لا يزلن يخصصن الوقت للقراءة ولحضور الندوات الثقافية.
كما شكرت السيدات الكاتب على حضوره، وأبدين إعجابهن بالرواية ورسالتها الإنسانية، وأثنين على سعة علمه واطلاعه اللتان ظهرتا جليتان من خلال إجاباته على الأسئلة المطروحة.








شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .