1:33 مساءً / 22 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

اليابان تعيد رسم خطوط التوتر في شرق آسيا ، قراءة في تصريحات تاكايتشي ، بقلم : محمد علوش

اليابان تعيد رسم خطوط التوتر في شرق آسيا ، قراءة في تصريحات تاكايتشي ،

اليابان تعيد رسم خطوط التوتر في شرق آسيا ، قراءة في تصريحات تاكايتشي ، بقلم : محمد علوش

لم تكن تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي بشأن تايوان مجرّد زوبعة سياسية عابرة، بل كانت تعبيراً صريحاً عن انتقال اليابان إلى مرحلة جديدة من التصعيد المدروس، واصطفاف لا لبس فيه إلى جانب الاستراتيجية الأميركية الهادفة إلى تطويق الصين وإرباك محيطها الإقليمي، وعندما تذهب تاكايتشي إلى اعتبار أي هجوم صيني محتمل على تايوان “تهديداً وجودياً لليابان”، فهي لا تعيد تعريف مفهوم الأمن القومي الياباني فقط، بل تفتح باباً خطيراً نحو تدخل مباشر في قضية تجمع الصين على أنها شأن داخلي محض، لا يقبل المساومة ولا التلاعب.


الرد الصيني جاء سريعاً وحاداً: استدعاء السفير الياباني، وإدانة رسمية، وتحذيرات واضحة من “عواقب خطيرة” إذا ما مضت طوكيو في تبنّي خطاب يخرق مبدأ “الصين الواحدة” الذي يشكل حجر الأساس لسياستها الخارجية، فالصين قرأت خطاب تاكايتشي بوصفه استفزازاً مقصوداً، لا يخلو من تغذية أميركية مباشرة، وهو ما دفعها إلى استخدام لغة تقترب من التهديد العسكري، لتذكير اليابان بأن حدود الصبر الاستراتيجي ليست مفتوحة، وأن اللعب بورقة تايوان لن يمرّ بلا ثمن.


اليابان، التي لطالما اعتمدت الغموض الاستراتيجي وتجنبت الانزلاق إلى مواقف صدامية حادة مع بكين، تبدو اليوم وكأنها تتخلى عن هذه السياسة لصالح دور وظيفي أكثر وضوحاً في خدمة الاستراتيجية الأميركية لاحتواء الصين، ورغم محاولة طوكيو التخفيف من وقع التصريحات لاحقاً عبر رسائل مموّهة للتهدئة، إلا أنّ الضرر السياسي وقع، وأنّ العلاقات الصينية – اليابانية دخلت مرحلة عالية الحساسية يصعب التنبؤ بمآلاتها، ويستحضر هذا المشهد، بقوة، ذاكرة التاريخ التي لم تمح بعد، فالصين لا تزال ترى في أي نزعة يابانية ذات طابع عسكري أو أمني تهديداً يعيدها إلى زمن الحرب والاحتلال، فيما تعجز اليابان عن التحرر من ظلّ تحالفها العسكري المطلق مع الولايات المتحدة، الذي يتحوّل اليوم إلى مصدر توتر إقليمي مستمرّ، وحين تتكلم تاكايتشي بلغة الدفاع المشترك في قضية تعدّها الصين جوهر سيادتها، فإن الحساسية تتضاعف، ويتحوّل التصريح السياسي إلى اعتداء رمزي على معادلة استقرار إقليمي دقيق، ولا يمكن فصل هذا التصعيد عن البعد الاقتصادي، فالعلاقات بين البلدين، رغم تعقيداتها، تمثل إحدى أكثر الشراكات التجارية والاستثمارية وزناً في العالم، ومع ذلك، يبدو أن الحسابات الاقتصادية تزاح جانباً لصالح أولويات استراتيجية تمليها واشنطن، التي تسعى إلى توظيف اليابان في محاصرة الصين، سواء عبر الملف التايواني أو عبر عسكرة المنطقة وتكثيف القواعد العسكرية.


يتيح هذا المشهد قراءة عميقة لآليات القوة في العلاقات الدولية، فالدول التي تمتلك استراتيجية واضحة، مثل الصين، تحمي مصالحها بلا مواربة، وتتعامل مع أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية بوصفه خطاً أحمر، أما الدول التي تسمح لسياستها الخارجية بأن تكون امتداداً لغيرها، فإنها تقف دائماً على حافة التورط في صراعات ليست لها، كما هو الحال في موقف اليابان اليوم.


إن تصريحات تاكايتشي ليست مجرد حدث عابر، بل مؤشر إلى انزياح كبير في دور اليابان الإقليمي، وتحوّل متزايد نحو خطاب استفزازي يهدد استقرار شرق آسيا، ويصبّ في خدمة السياسات الأميركية التي تسعى لزعزعة محيط الصين وفرض وقائع جديدة في تايوان، وبين الرد الصيني الحازم والمغامرة اليابانية الجديدة، تبدو المنطقة على أعتاب مرحلة من التوتر الطويل، قد تنقلب في أي لحظة إلى مواجهة مفتوحة إذا لم تدرك طوكيو حدود اللعب بالنار، وفي هذا العالم السريع التحوّل، تبقى الحقيقة ثابتة، أنّ الدول التي لا تملك رؤيتها المستقلة تظلّ أدوات في حسابات الآخرين، فيما تصنع القوى التي تحمي سيادتها خياراتها بوعي وثبات.

شاهد أيضاً

تقرير .. حكومة الاحتلال تتنصل من إرهاب المستوطنين رغم شراكتها في الجريمة

تقرير .. حكومة الاحتلال تتنصل من إرهاب المستوطنين رغم شراكتها في الجريمة

شفا – تقرير مديحه الأعرج / تتسارع التطورات في الضفة الغربية المحتلة وتتدهور الأوضاع الأمنية …