2:08 مساءً / 16 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

الوعي في مواءمة المناهج الفلسطينية في ظل التحديات الجيوسياسية ، بقلم : نسيم قبها

الوعي في مواءمة المناهج الفلسطينية في ظل التحديات الجيوسياسية ، بقلم : نسيم قبها

في الحديث حول مواءمة المناهج الفلسطينية لمعايير اليونيسكو ، وفي فضاء التحديات الجيوسياسية حيث تُخاض معركة الوجود الفلسطيني على جبهات متعددة، تبرز قضية المناهج الدراسية كساحة حاسمة للصراع على الهوية والذاكرة والمستقبل. إن مسألة مواءمة هذه المناهج لمعايير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) ليست مجرد عملية تقنية مهنية بيروقراطية، بل هي معضلة فلسفية تربوية عميقة تمس صميم المشروع الوطني التحرري. فكيف نستلهم العالمية دون ذوبان؟ وكيف نتبنى المعايير دون تنازل عن الثوابت؟ الإجابة تكمن في تبني “تربية تحررية متجذرة” ترفض ثنائية الزيف بين الانغلاق المحلي والانفتاح العالمي الذائب.

إن “التربية التحررية” بمفهومها الفريدي، لا تنفصل عن مشروع التحرر الوطني والاجتماعي. فهي ليست وسيلة لنقل المعرفة فحسب، بل هي أداة لـ”تشكيل الوعي النقدي” الذي يمكن الناشئة من تفكيك خطابات الهيمنة وبناء ذواتهم الفاعلة. في سياقنا الفلسطيني، يجب أن تكون التربية سلاحاً للمقاومة الوجودية، مقاومة النسيان والتبعية والتهميش. لذلك، فإن أي مواءمة مع معايير اليونيسكو التي تركز على مهارات القرن الحادي والعشرين كالتفكير النقدي والإبداع والمواطنة العالمية، يجب أن تنطلق من “خصوصية السياق الفلسطيني” ووعي “صيرورة الصراع”. فالتفكير النقدي لدينا يعني، قبل كل شيء، القدرة على نقد الرواية الصهيونية ومشاريع التغريب التربوي. والإبداع يعني إبداع وسائل البقاء والصمود. والمواطنة العالمية لا تعني تجاوز الانتماء الوطني، بل تعني تقديم قضيتنا العادلة للعالم بلغة العصر.

لا ينبغي أن ننظر إلى معايير اليونيسكو ككيان غريب مفروض، بل يمكن “استدماجها” و”تأويلها” ضمن إطار المشروع الثقافي الوطني. فمعايير الجودة والإنصاف والشمول يمكن أن تكون أدوات لتعزيز صمود مدارسنا في القدس خاصة وفي المناطق المسماة “ج”، ووسيلة لكشف الممارسات الإسرائيلية الإحلالية التي تحرم الطلبة الفلسطينيين من حقهم في التعليم. معايير التعليم من أجل التنمية المستدامة يمكن أن تتحول إلى مشروع لتعزيز صمود المزارع الفلسطيني على أرضه مثلا، وفهم البيئة الفلسطينية كجزء من الهوية والاقتصاد المقاوم بالضرورة. التعليم من أجل العيش المشترك لا يعني الترويج للتطبيع مع المحتل تحت شعارات زائفة، بل يعني تعزيز التعددية داخل المجتمع الفلسطيني المتعدد أصلا ، واحترام حقوق الإنسان التي نناضل من أجلها، وبناء جسور التضامن مع شعوب العالم.

إن التحدي الحقيقي يكمن في “الابستمولوجيا” أو نظرية المعرفة التي تنطلق منها مناهجنا. هل نعتمد على معرفة مستوردة ومنفصلة عن واقعنا، أم نبتكر “ابستمولوجيا مقاومة” تنبع من تراثنا الفكري وتجربتنا النضالية وتطلعاتنا المستقبلية؟ المواءمة الحقيقية تعني إنتاج معرفة “عابرة للحدود” لكنها “متجذرة محلياً”. أن نعلم أبناءنا فيزياء نيوتن وأدب شكسبير وتقنيات الذكاء الاصطناعي العابرة ، ولكن من خلال عدسة تذكرهم بأن علماء مثل الحسن ابن الهيثم هم أسسوا لهذه العلوم، وأن استخدام التكنولوجيا يجب أن يخدم مشروعنا التحرري المنصف.

لم تكن مواءمة المناهج لمتطلبات اليونيسكو غاية في ذاتها أبدا ، بل هي وسيلة لتجديد أدواتنا الفلسطينية التربوية لجعلها أكثر فاعلية في تخريج “الإنسان الفلسطيني الجديد” : الواثق بهويته، المدرك لعدالة قضيته، المتمكن من أدوات العصر، والقادر على حوار الحضارات دون انبهار أو انكفاء. إنه الإنسان الذي يحمل هويته كراية فخر لا كعبء، ويحمل علميته كسلاح لا كتقليد. في هذا الإطار، تصبح المواءمة فعلًا من أفعال “المقاومة بالمعرفة” ، وتأكيداً على أن الشعب الفلسطيني، رغم كل ظروف الاحتلال، قادر على تقديم نموذج تربوي ملهَم يكون شاهدا على إرادة الحياة والانتصار.

  • – نسيم قبها باحث في الشأن التربوي الإئتلاف التربوي الفلسطيني

شاهد أيضاً

المنظمات الاهلية توجه نداء عاجلا للمؤسسات الدولية للتدخل الفوري لوقف الكارثة الانسانية في القطاع

المنظمات الاهلية توجه نداء عاجلا للمؤسسات الدولية للتدخل الفوري لوقف الكارثة الانسانية في القطاع

شفا – على اثر المعاناة المتواصلة التي شاهد العالم اجمع احدى صورها مع دخول المنخفض …