
صناعة المؤثر الدولي الصامت.. هكذا يحول البرنامج الصيني الزائر العادي إلى “سفير رقمي” ، بقلم : مريم شومان
لم أكن أتخيل قبل زيارتي للصين أن بلدا يصنف كقوة تكنولوجية عظمى يفضل الاعتماد على التجربة الإنسانية المباشرة كوسيلة للتأثير العالمي، لكن وبعد أسبوعين أمضيتهما بين بكين وشنغهاي؛ المدينتين الأكبر، وعدد من مشاريعها التنموية العملاقة ومراكزها البحثية، ومعالمها التاريخية والدينية؛ أدركت أن ما تفعله بكين ليس مجرد برنامج لوفود دولية، بل استراتيجية مدروسة بدقة: “صناعة المؤثر الدولي الصامت”.
الصين، لا تدفعك لكتابة منشور عنها، هي فقط تمنحك تجربة واقعية محسوبة ثم تتركك تفعل ما يفعله أي إنسان يعيش تجربة غير عادية في عصر مواقع التواصل الاجتماعي: توثق، تشارك، تتفاعل، وتؤثر.
حين تصبح التجربة أقوى من الخطاب
في عالم يضج بالرسائل الرقمية الرسمية، اختارت الصين طريقا مختلفا؛ بدل أن تتحدث عن نفسها تجعل الآخرين يتحدثون عنها.
فـأول ما يلفت انتباه الزائر هو أن الصين لا تقدم نفسها كدولة متكاملة الصورة؛ بل كـ”رحلة استكشاف”، تظهر لك قوتها الصناعية دون استعراض، وتفتح لك أبواب مؤسساتها الثقافية والتكنولوجية دون مبالغة وتدعك تلتقي بباحثين ومحاضرين وموظفين وطلاب وغيرهم، وكأنها تريدك أن تلتقط الصورة بمفردك، لا أن تكرر صورة جاهزة.
هذه التجربة المركبة، العفوية من الخارج والمخطط لها من الداخل تمنح الزائر إحساسا بأنه يكتشف “الحقيقة” لا “الدعاية”، وهذا ما يجعل تأثيرها أقوى.
لماذا تراهن الصين على الإنسان قبل التكنولوجيا؟
قد تبدو المفارقة لافتة؛ دولة تقود العالم في الذكاء الاصطناعي وتملك واحدة من أعتى امبراطوريات التكنولوجيا، لكنها تفضل الاستثمار في التفاعل البشري.
السبب بسيط وعميق: التكنولوجيا تقنع العقل، لكن التجربة تقنع القلب.
والقلب يتحول بشكل طبيعي إلى محتوى رقمي.
حين ترى مصانع ضخمة تعمل بصمت مذهل، ومدنا متصلة بذكاء غير مرئي، أو تقدما تراه بعيون الناس قبل عيون الشاشات؛ يصبح من المستحيل ألا تلتقط صورة أو تسجل فيديو أو تكتب ملاحظة، وهنا تماما تبدأ الاستراتيجية الصينية.
المؤثر الدولي الصامت.. دون أن ينتبه
لم تطلب الصين من زائرها أن يكون سفيرا لها، كل ما فعلته أنها جعلته شاهدا على ما يراه ويعيشه، وفي زمن لم يعد الناس يثقون فيه بالخطاب الرسمي؛ باتت الروايات الشخصية مثل تجربة صديق أو صحفي أو أكاديمي هي الأكثر تأثيرا وانتشارا.
والصين تراهن على هذا بالذات، أن يشارك الزائر تجربته بدافع الفضول وأن يتفاعل الناس معها بدافع الثقة، فتنتشر الرسالة بهدوء، بلا ضجيج أو شبهة دعاية.
وهكذا يتحول الزائر من حيث لا يدري إلى مؤثر دولي صامت، يتحدث بصوته هو لكن تجربته تحمل صدى الصين.
رحلة تنتهي.. وتأثير يبدأ
على وشك مغادرة الصين، وهنا تماما أدركت أن ما يحدث ليس برنامج ضيافة، ولا جولة ثقافية، ولا محاولة للترويج، بل هو منظومة تأثير هادئة تجمع بين الذكاء السياسي والتواضع الثقافي، وتعيد تعريف القوة الناعمة بعيدا عن الخطاب المباشر.
الصين لا تسعى لتغيير رأيك مباشرة، بل تسعى إلى إعادة صياغة فضولك، وحين يتحول الفضول إلى محتوى رقمي، قد تكون الرسالة قد وصلت.
التأثير الذي يصنع بلا صوت هو الأقوى
ربما هذا هو سر الاستراتيجية الصينية: أن تجعل العالم يراها بعين زائر لا بعين محلل سياسي.
وبهذا فقط، يتحول كل زائر إلى نافذة صغيرة تطل منها الصين على العالم، ونافذة يطل من خلالها العالم على الصين، ليس لأن الصين طلبت ذلك، بل لأن التجربة –ببساطة– كانت أقوى من أن تترك بلا مشاركة.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .