2:25 مساءً / 10 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

الاستيطان ، الوجه الحقيقي للاحتلال الاستعماري الإحلالي ، بقلم : محمد التاج

الاستيطان.. الوجه الحقيقي للاحتلال الاستعماري الإحلالي ، بقلم : محمد التاج

في فلسطين، لا يمر يوم دون أن تكشف الأرض عن جرح جديد، ولا تشرق شمس إلا على مشهد من مصادرة أو هدم أو اقتلاع أو اعتداء يستكمل فصول مشروع استعماري استيطاني إحلالي عنصري لا يعرف الشبع ولا حدود الطمع. فهنا، الاحتلال لا يتعامل مع الأرض كجغرافيا محتلة، بل كغنيمة يسعى لابتلاعها قطعة بعد أخرى، ولتحويل أصحابها الأصليين إلى غرباء في وطنهم.

منذ أن بدأ هذا المشروع الإحلالي، لم يكن هدفه الأمن كما يزعم، بل الإلغاء الكامل للوجود الفلسطيني: إنسانا وهوية وثقافة وذاكرة. كل منزل يهدم، وكل شجرة زيتون تقتلع، وكل طريق تغلق، ليست سوى أدوات في مخطط كبير يرمي إلى محو معالم الحياة الفلسطينية، وبناء واقع مزيف يقدم للعالم على أنه “تطور” و“ازدهار”، بينما هو في حقيقته نظام فصل عنصري يقوم على السيطرة والإقصاء والتهجير القسري.

في وجه هذا المشروع الإجرامي، يقف الفلسطيني أعزل إلا من إيمانه بعدالة قضيته، يزرع زيتونته من جديد، ويعيد بناء بيته، ويرفع علمه فوق الركام، ليقول إن هذه الأرض تعرف أصحابها، وإن الجذور لا تنتزع بقرارات عسكرية ولا بمستوطنات تقام على أنقاض الذاكرة.

إن الاستيطان ليس حادثا عرضيا في مسار الصراع، بل هو جوهر هذا الاحتلال، وروحه التي تغذيه. هو تعبير عن عقلية استعمارية ترى في الفلسطيني عقبة أمام مشروع إحلالي يريد تحويل فلسطين إلى مساحة خاليةٍ من أصحابها، مسكونة بالمستوطنين والجنود والأسوار والأساطير. ولذلك، فإن كل بيت يهدم، وكل بؤرةٍ استيطانية تقام، ليست سوى خطوة في طريق مرسوم منذ البداية: محو فلسطين وإحلال الغريب مكان صاحب الأرض الشرعي.

لكن رغم القهر والبطش والحصار، ما زال الفلسطيني يواجه، ليس بقوة السلاح، بل بثبات إنساني وأخلاقي وسياسي لا يقل عن المعجزة. في كل قرية ومدينة ومخيم، يولد جيل جديد يواصل حمل الراية، مؤمنا أن الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الإحلالي العنصري مهما طال عمره، فإن مصيره الزوال. فالتاريخ لا يرحم الغزاة، والعدالة مهما تأخرت ستجد طريقها إلى هذه الأرض التي لم تعرف إلا الصمود والكرامة.

فلسطين اليوم ليست فقط قضية شعبٍ يقاوم، بل قضية ضمير عالمي يختبر. فالصمت أمام هذا الظلم لم يعد حيادا، بل تواطؤا مع الجريمة. وحين يتواطأ العالم، يظل الفلسطيني وحده صامدا في وجه آلة البطش، يقف كالشجرة التي لا تموت رغم كل ما يحاك حولها من مؤامرات.

إن الاستيطان هو التجسيد العملي لأبشع أشكال العنصرية في هذا العصر، والاحتلال في فلسطين ليس خلافا على أرض أو حدود فقط، بل صراع بين مشروعين: مشروع حرية وعدالة وإنسانية، ومشروع استعمار وإحلال وعنصرية وطمس للهوية. وبينهما، يختار الفلسطيني أن يبقى حيث هو – على أرضه، في بيته، وفي ذاكرة العالم – شاهدا على الظلم، ورمزا للكرامة التي لا تقهر.

وستبقى فلسطين،
رغم الليل الطويل، وغيوم القهر التي أثقلت السماء،
تنبت من رمادها زيتونة خضراء،
وتعيد للحجر ذاكرته، وللريح نداءها،
فلا استعمار يدوم، ولا إحلال يطمس الحلم،
ما دامت في هذه الأرض أم تنتظر،
وشهيد يبتسم،
وطفل يكتب اسم وطنه على جدار الخوف:
هنا كانت… وهنا ستبقى فلسطين.

شاهد أيضاً

رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير السياحة يبحثان الجهود المشتركة لضمان حماية المضبوطات الأثرية

رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير السياحة يبحثان الجهود المشتركة لضمان حماية المضبوطات الأثرية

شفا – استقبل رئيس المحكمة العليا محكمة النقض، رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي محمد عبد …