
من منبر العلم إلى هامش العوز.. حكاية المعلم الفلسطيني ، بقلم : معمر يوسف العويوي
لم يكن المعلم الفلسطيني يومًا مجرد موظف يؤدي واجبًا وظيفيًا، بل كان دومًا حامل الرسالة الوطنية والتربوية، وصانع الوعي في مدرسةٍ كانت، وما زالت، جبهة من جبهات الصمود والبقاء.
لكن السنوات الأخيرة حملت معها مشهدًا مؤلمًا، إذ تراجع موقع المعلم وهيبته، ليس فقط بفعل تدهور الوضع الاقتصادي، بل بسبب غياب الرؤية النقابية والمجتمعية التي تضع المعلم في موقعه المستحق.
منذ أعوام، يضطر المعلم إلى خوض إضرابات متكررة من أجل أبسط حقوقه، حتى بات الإضراب عنوانًا دائمًا للأزمة، لا وسيلة لحلّها. ومع كل عودة إلى مقاعد التدريس، يخسر المعلم جزءًا من مكانته أمام طلابه وأسرته ومجتمعه، إذ يعود إلى مدرسته مثقلًا بالهمّ، محاصرًا بالديون، وراتبه بالكاد يكفي نصف الشهر.
وبات كثير من المعلمين مضطرين للعمل بعد الدوام — كسائقي سيارات، أو محاسبين، أو في مراكز التعليم الخاصة — بحثًا عن الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
لكن المشكلة الأعمق لا تقف عند حدود الراتب، بل في غياب المظلة النقابية القادرة على تمثيل هذا القطاع الحيوي تمثيلًا حقيقيًا.
فالانقسام بين الاتحاد العام للمعلمين والنقابة أضعف الصوت المهني، وحوّل الأجسام النقابية إلى أدوات موسمية تُستدعى في أوقات التغيير السياسي أو الحكومي، بدل أن تكون حاضنة لتطوير المعلم وتعزيز مكانته المهنية والاجتماعية.
فبدلًا من أن تقود النقابات عملية إصلاح تربوي شامل، نجدها تنشغل بالبيانات والإضرابات، دون بناء برامج تطوير مهني حقيقية، أو تدريب، أو رؤية ترفع من كفاءة المعلم وتعيد له اعتباره.
إن أزمة المعلم الفلسطيني اليوم ليست مالية فقط، بل أزمة في إدارة قطاع التعليم وتمثيله.
فحين يفقد المعلم الأمل في العدالة، وحين يشعر أن النقابة لا تراه إلا عند الحشد والإضراب، فإن الرسالة التربوية بأكملها تصبح مهددة.
وإذا كان المعلم هو “بذرة الأمل وصانع الإيمان”، فكيف نطالبه بزرع الإيمان في نفوس طلابه وهو نفسه فقد الثقة في من يمثلونه؟
المطلوب اليوم ليس مجرد تحسين راتب أو صرف علاوة، بل رؤية وطنية جديدة للتعليم والمعلم، تعيد إليه كرامته، وتوحّد الأطر النقابية في جسم واحد قوي ومهني ومستقل، ينطق باسم المعلمين لا باسم السياسة.
فنهضة الوطن تبدأ من المعلم، ولا كرامة لوطنٍ يهان فيه من صنع وعيه.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .