8:38 مساءً / 7 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

جيل Z الفلسطيني : وعي جديد وهوية في مواجهة التحديات السياسية بقلم : د. عمر السلخي

جيل Z الفلسطيني : وعي جديد وهوية في مواجهة التحديات السياسية

جيل Z الفلسطيني: وعي جديد وهوية في مواجهة التحديات السياسية بقلم : د. عمر السلخي

في عالمٍ يزداد ترابطًا رقمياً وتفككاً سياسيًا، يبرز جيل جديد في فلسطين يُعرف اصطلاحًا بـ جيل Z، أي مواليد الفترة ما بين 1997 و2012، كقوة اجتماعية وثقافية وسياسية فاعلة في رسم ملامح المستقبل الفلسطيني.


هذا الجيل، الذي وُلد في ظل الاحتلال، وتربّى على الشاشات الذكية، ووعى ذاته في زمن التحوّل الرقمي، يختزن في تجربته تداخلًا فريدًا بين الانفتاح على العالم والتمسك بالهوية الوطنية، بين وعي عالمي يتغذى من الإنترنت ووعي محلي يتشكل تحت ضغط الاحتلال والجدار والاستيطان.

جيل رقمي في واقع سياسي مغلق

على المستوى العالمي، يوصف جيل Z بأنه جيل التكنولوجيا، السرعة، والابتكار ، لكن في فلسطين، تتخذ هذه السمات بعدًا سياسيًا مختلفًا.


فشباب هذا الجيل يعيشون في فضاء رقمي مفتوح، لكن في جغرافيا مغلقة.


هم أبناء واقعٍ يقيّد الحركة والفرص، لكنهم في المقابل يوسّعون أفق التأثير من خلال الفضاء الافتراضي.
لقد أصبح الهاتف الذكي أداة للتوثيق والمقاومة، والمنصات الرقمية ساحة موازية للنضال الوطني، ما يجعل جيل Z الفلسطيني يجسد عمليًا فكرة “التحرر عبر المعرفة”.

من الحجارة إلى الهاشتاغ: تحوّل في أدوات الوعي والمقاومة

بينما واجهت الأجيال السابقة الاحتلال في الميدان، يخوض جيل Z معركته على الشبكات والمنصات، من خلال حملات إلكترونية مثل أنقذوا حي الشيخ جراح و غزة تحت القصف، نجح الشباب الفلسطيني في نقل الصورة الحقيقية للعالم، وكشف الوجه العنصري للاحتلال أمام الرأي العام الدولي.


إنها مقاومة جديدة لا تقل أثرًا عن المواجهة الميدانية، إذ تسهم في بناء رواية فلسطينية رقمية تنافس الرواية الإسرائيلية التي طالما احتكرت الإعلام العالمي لعقود.

تحديات الهوية والانتماء في ظل التحوّل الرقمي

رغم هذا الوعي المتصاعد، يواجه جيل Z الفلسطيني جملة من التحديات المركبة،


فهو جيل يعيش تحت ضغط الاحتلال والانقسام السياسي والبطالة العالية، وفي الوقت ذاته يتعرض لتيارات ثقافية عابرة للحدود قد تهدد تماسك الهوية الوطنية.


ومع تزايد تأثير الثقافة الرقمية، تظهر أسئلة جوهرية حول المواطنة والانتماء والمشاركة السياسية، خصوصًا مع تراجع ثقة الشباب بالمؤسسات الحزبية والقيادية التقليدية.


ومع ذلك، تشير دراسات ميدانية حديثة إلى أن نسبة عالية من شباب فلسطين ما زالوا يؤمنون بجدوى العمل الجماعي والنضال السلمي والمبادرات المجتمعية كطريق لبناء الدولة الفلسطينية المنشودة.

جيل يصنع فرصه رغم القيود

على المستوى الاقتصادي، يبرز جيل Z كفاعل رئيسي في بناء الاقتصاد الرقمي الفلسطيني ، ففي ظل القيود الإسرائيلية على الحركة والتجارة، اتجه آلاف الشباب إلى العمل الحر عبر الإنترنت، وبرزت مبادرات في مجالات البرمجة، التسويق الرقمي، والتصميم الجرافيكي، مما خلق نموذجًا جديدًا للاعتماد على الذات والتكيّف مع الواقع القاسي.
إن هذا التحول يعكس روح الإبداع والمثابرة التي تميز الجيل الجديد، ويؤكد أن الاحتلال قد يقيّد الأرض، لكنه لا يقيّد الفكرة.

جيل الوعي الجديد: بين الإرث والابتكار

سياسيًا، يشكّل جيل Z الفلسطيني حلقة انتقالية بين جيل النكبة والنكسة وجيل أوسلو.


إنه جيل لا يحمل ذاكرة اللجوء مباشرة، لكنه يعيش تداعياتها اليومية؛ لا يؤمن بالشعارات القديمة بقدر ما يبحث عن حلول واقعية تُعيد للسياسة معناها، يُظهر هذا الجيل نزعة متزايدة نحو الاستقلالية الفكرية، والانفتاح على أشكال جديدة من العمل الوطني: المبادرات الشبابية، العمل التطوعي، والضغط الرقمي.


وهذا التحوّل يتطلب من القوى السياسية الفلسطينية إعادة النظر في خطابها وأدواتها، وإشراك هذا الجيل في صناعة القرار بدلًا من تهميشه أو النظر إليه بعين الوصاية.

الشباب الفلسطيني في ارقام

تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (2024) إلى أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15–29 عامًا يشكّلون نحو 29% من إجمالي السكان، أي أن أكثر من ثلث المجتمع الفلسطيني من فئة جيل Z.


كما تظهر الإحصاءات أن نسبة استخدام الإنترنت بين الشباب تجاوزت 92%، ونسبة امتلاك الهواتف الذكية بلغت 95%، وهي من أعلى النسب في المنطقة العربية، ما يعكس التحول العميق في أنماط التواصل والعمل والتفكير.


في المقابل، يبلغ معدل البطالة بين الشباب حوالي 40%، وتصل النسبة بين الإناث الشابات إلى ما يزيد عن 60% في بعض المحافظات، مما يضع هذا الجيل في مواجهة مباشرة مع تحديات اقتصادية خانقة تتطلب حلولًا وطنية مبتكرة.
أما على صعيد التعليم، فإن أكثر من 45% من الشباب الفلسطيني يلتحقون بالتعليم العالي، ما يشير إلى ارتفاع مستوى الطموح والمعرفة رغم ضعف البيئة الاقتصادية.


هذه الأرقام لا تُختصر في إحصاءات جامدة، بل تعبّر عن جيلٍ واعٍ سياسيًا، متعلّم رقميًا، ومتمسّكٍ بوطنٍ يسعى لتغييره بأدوات جديدة.

فلسطين في أيدي الجيل الرقمي

إن جيل Z الفلسطيني ليس جيل ترفيه أو تشتت كما يُصوَّر أحيانًا، بل هو جيل وعي سياسي متجدد، يعيد تعريف العلاقة بين التكنولوجيا والوطنية، بين الحرية الفردية والالتزام الجماعي.


هو جيل يكتب روايته بلغته، ويدافع عن قضيته بوسائل جديدة، ويحوّل الفضاء الرقمي إلى جبهة من جبهات الصراع مع الاحتلال.


قد يختلف في أسلوبه عن الأجيال السابقة، لكنه يحمل ذات الرسالة: أن تبقى فلسطين حاضرة، مهما تغيّرت الوسائل والأجيال.

شاهد أيضاً

وفد مقدسي يلتقي القنصل التركي العام في القدس

وفد مقدسي يلتقي القنصل التركي العام في القدس

شفا – التقى صباح اليوم الجمعة، وفد من الشخصيات المقدسية الوطنية والاعتبارية، ضمّ كلًّا من: …