3:26 مساءً / 30 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

الخليل ، المدينة التي تحفظ ذاكرة فلسطين وتكتب مستقبلها ، بقلم : المهندس غسان جابر

الخليل ، المدينة التي تحفظ ذاكرة فلسطين وتكتب مستقبلها ، بقلم : المهندس غسان جابر

من إرث الجعبري والقواسمة والزغير وجابر إلى نبض الانتخابات القادمة

هناك مدن تسكن الجغرافيا، وأخرى تسكن التاريخ.


أما الخليل، فهي التي تسكن الوجدان.


مدينة الحرم الإبراهيمي الشريف، ومهد الوعي الوطني الفلسطيني، وميزان الصبر والمقاومة في وطنٍ يعرف جيدًا أن بقاءه مرهونٌ بثبات مدنه الأصيلة.

منذ بدايات القرن الماضي، لم تكن الخليل يومًا على هامش الحكاية الفلسطينية.


ففي أزقتها وبيوتها القديمة تشكّل الوعي الوطني الأول، حين كان الاحتلال يتبدّل شكلاً ولا يغيب مضمونًا.
من هناك، من منبر الحرم الإبراهيمي، ارتفع صوت الشيخ محمد علي الجعبري داعيًا إلى الثبات والوحدة، ليغدو رمزًا لقيادةٍ جمعت بين الدين والسياسة، بين العقل والحكمة، بين الوطن والإنسان.


ثم جاء من بعده رجالٌ حملوا الراية في زمن العتمة:


الشهيد فهد القواسمة الذي آمن أن القدس لا تُحرّر بالبيانات، وفايز جابر الذي كتب بدمه سطرًا خالدًا في سفر الفداء الفلسطيني، وعزمي الزغير الذي جسّد صورة المناضل الصادق، الوفيّ لوطنه حتى اللحظة الأخيرة.

هؤلاء الأربعة — الجعبري والقواسمة والزغير وجابر — لم يكونوا أفرادًا في سجلّ مدينة، بل أعمدة في صرح الوعي الوطني الفلسطيني، نُسجت من مواقفهم ملامح الخليل الحديثة:


صامدة في وجه الاحتلال، واعية في مواقفها، أصيلة في انتمائها.


ولذلك، بقي أثرهم حاضرًا في وجوه الناس، في خطب الجمعة، في سلوك التجار، وفي أيادي العمّال الذين ينهضون كل صباح ليزرعوا الحياة في أرضٍ مثقلةٍ بالجراح.

واليوم، حين يُطرح الحديث عن انتخابات فلسطينية نزيهة، لا يمكن لأي سياسي أن يتجاهل أن الخليل هي المعيار.
فهي ليست دائرة انتخابية عابرة، بل ميزان الشرعية الوطنية.


من يكسب ثقة الخليل، لا يفوز بأصواتٍ فحسب، بل ينال شهادة من التاريخ بأنه فهم نبض الأرض وصدق الناس.


فطريق الشرعية في فلسطين لا يمر عبر المنابر ولا المكاتب، بل عبر شوارع الخليل وأسواقها ومساجدها وبيوتها القديمة التي تحفظ سرّ البلاد.

الخليل ليست كتلةً انتخابية، بل كيانٌ اجتماعي متماسك تشكّل عبر قرنٍ من التجارب.


العائلة فيها ليست مجرد رابطة دم، بل مؤسسة اجتماعية وسياسية.


والنَسَب فيها ليس امتدادًا للعائلة فقط، بل امتدادٌ للذاكرة.


ولذلك، فإن كل صوتٍ يخرج من صناديق الخليل يحمل قصةً من التاريخ، تبدأ من زمن الجعبري وجابر، وتمتد إلى حاضر المبادرة الوطنية الفلسطينية، ومن حكايات الانتفاضة الأولى إلى أحلام الجيل الجديد الباحث عن كرامة وعدالة ومستقبل.

على المستوى الوطني، تُعدّ الخليل ركيزة المشروع الفلسطيني القادم.


فهي المدينة الأكبر سكانيًا في الضفة الغربية، والمحرّك الاقتصادي الذي يمدّ الأسواق الفلسطينية بالعزيمة والعمل، والمركز الديني الذي يربط الأرض بالسماء.


لكنّ ثقلها الحقيقي ليس في الأرقام، بل في رمزيتها المتجذّرة:

فحين تهتز الخليل، تهتز فلسطين كلها، وحين تتكلم الخليل، يصمت الآخرون ليستمعوا.

إن أي انتخابات نزيهة ستؤكد من جديد أن الخليل لا تُدار من الخارج، ولا تُوجَّه من فوق، بل تُقرّر من داخلها.


فالمدينة التي حفظت توازن فلسطين في السلم والحرب تعرف جيدًا من يستحق الثقة، ومن يبدّل المواقف كمن يبدّل الأثواب.


هي مدينة تحترم الفعل، وتحتقر الشعارات، وتزن الناس بالثبات لا بالوعود.

ورغم كل هذا الحضور، ما زالت الخليل تنتظر إنصافًا حقيقيًا.

فالبنية التحتية فيها، والتعليم، والثقافة، لم تنل ما يليق بتاريخها ودورها.

إن الاستثمار في الخليل ليس عملاً تنمويًا فحسب، بل واجب وطني، لأن من ينهض بالخليل ينهض بفلسطين كلها.
والمجتمع المدني — من لجان التجار إلى المؤسسات الثقافية — مطالب بأن يواصل المسار الذي بدأه الآباء المؤسسون: أن تبقى الخليل صامدة وواعية، لا غاضبة ومنهكة.

في جوهرها، الخليل ليست مدينة تبحث عن مقعدٍ في البرلمان، بل عن موقعها الطبيعي في وجدان الأمة الفلسطينية.

هي القلب الذي يضخ في الجسد الفلسطيني إصرارًا على البقاء، والعقل الذي يرفض تحويل النضال إلى شعار، والذاكرة التي ترفض أن يُمحى وجه الشهيد من لوحة الوطن.

وإذا ما جرت الانتخابات القادمة بنزاهةٍ وصدق، فستكتب الخليل مجددًا سطرها في التاريخ — سطرًا يواصل ما بدأه الجعبري والقواسمة وجابر والزغير — لتقول للعالم إن فلسطين ما زالت حيّة، وإن صوتها الحقيقي يخرج من بين حجارة الحرم الإبراهيمي، لا من بين جدران المكاتب السياسية.

في النهاية، يمكن القول إن الخليل هي مقياس حرارة فلسطين السياسية، ومن خلالها يمكن قراءة نبض الشارع الفلسطيني كله.


فهي المدينة التي تعلّمت أن تصمت حين يكثر الصخب، وأن تصدق حين يكثر الادّعاء، وأن تصمد حين يتعب الآخرون.

وحين تُفتح صناديق الاقتراع القادمة، سيكون العالم كله أمام مشهدٍ أكبر من انتخابات:


مشهد مدينةٍ تكتب بوعيها وإرادتها تاريخ وطنٍ بأكمله.

  • – المهندس غسان جابر
    سياسي فلسطيني وقيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
    نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية والبلدة القديمة في الخليل

شاهد أيضاً

الجبهة العربية الفلسطينية

الجبهة العربية الفلسطينية : الاحتلال يعلن حربه المفتوحة على الأرض الفلسطينية

شفا – تدين الجبهة العربية الفلسطينية بأشد العبارات قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي المصادقة على بناء …